التفاسير

< >
عرض

وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
٣
-هود

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَأن } مصدرية أو مفسرة مثل ما مر، والعطف على أن لا تعبدوا، وهذا يؤيد كون أن مفسرة فى: أن لا تعبدوا، ولا ناهية لأن قوله: { اسْتغفِرُوا } فيناسب النهى { ربَّكُم } من ذنوبكم كالشرك وغيره، واطلبوا غفرانها، وذلك بالإيمان.
{ ثمَّ تُوبُوا إليهِ } ارجعوا إليه بالندم، والعزم على عدم الرجوع إلى الذنوب، وبالطاعة، وثم لتفاوت ما بين الأمرين، وقال الفراء بمعنى الواو، وإن قلنا: إن المعنى ثم توصلوا إلى مطلوبكم بالتوبة فهى على بابها، وكذا إن قلنا: توبوا إليه بالطاعة، كذلك قيل، والذى عندى أنها ليست على أصلها إلا على هذا الوجه الأخير، لأن المشرك كثيرا ما يسلم فى وقت لا فرض فيه، ثم يأتى فرض مثل أن يسلم عند طلوع الشمس فلا فرض حتى الزوال، فيجب الظهر.
{ يُمتِّعكم مَتاعاً } اسم مصدر بمعنى التمتيع { حَسناً } قيل يحييكم فى سعة وأمن، وربما ضاقت معيشة المؤمن رفعا لدرجته، أو تكفيراً لسيئاته، قلت: والذى عندى أن يفسر المتاع الحسن بطيب الحياة والأمن، فإنه شامل لهذا الذى ضاقت معيشته، لأن حياته مع ذلك حسنة، لأنه راض عن الله فى جميع أحواله، ولأنه مكتسب فى حياته الفوز الدائم، وفرح به وبالتقرب، وأداء الفرض، فلا منافاة بين الآية وحاله، ولا بينها وبين قوله صلى الله عليه وسلم:
"فالدنيا سجن المؤمن" مع أن لهذا الحديث مخرجا آخر، وهو أنها سجنه بالنسبة إلى ما له فى الآخرة، كما أنها جنة الكافر بالنسبة إلى ما له فى الآخرة، ويدل لتفسيرى المذكور قول بعض: إن العيش الحسن هو الرضا بالميسور، والصبر على المقدور، وأما الأمن فموجود عند المؤمن، لأنه إنما يخاف من الله فقط وإياه يرجو.
{ إلى أجلٍ مُسمًّى } هو حين الموت، ويجوز أن يكون المعنى يحييكم ولا يستأصلكم بالعذاب، واعلم أن الرزق، والأجل وغيرهما لا تزيد عما قضى الله فى الأزل، ولا تنقص، وأما الآية وما ورد من أن كذا يزيد فى العمر أو فى الرزق، أو ينقص منهما، فمعناهما أن الله سبحانه وتعالى قضى فى الأزل بأن فلانا يطول أجله أو يقصر، ويكثر رزقه أو يقتر، لأنه يعمل كذا ويترك كذا، فأمر الناس كلهم بالعمل والترك على طريق الكسب، كما أمرهم بالعمل والترك، ودخول الجنة، مع أن منهم من قضى بأنه لا يدخلها، وأما ما تخرج به كثير من المتفقهة من أن المراد بالزيادة أو النقص البركة وعدمها، فلا يصح، لأن البركة وعدمها قد حف بها القلم أيضا، وأن المراد أن كذا وكذا خلقه لفلان سببا للبركة وعدمها.
{ ويُؤتِ كُلَّ ذى فَضْلٍ } عمل صالح { فَضْله } أى جزاء عمله الصالح فى الدنيا والآخرة، أو الهاء لله سبحانه وتعالى، أى يؤت الله فضله كل ذى عمل صالح، وذلك أنه يضعف الحسنة إلى العشر وأكثر، ويثيبه فى الدارين، وهذا ترغيب فى الإيمان والعمل، ويجوز أن يكون المراد يؤته فى الآخرة، وبه قال مجاهد.
قال أبو العالية، وابن عباس: تزيد الدرجات فى الجنة على قدر الأعمال، قال ابن عباس: من زادت سيئاته على حسناته دخل النار، ومن استوت كان من أهل الأعراف، ويدخل الجنة، ومر فى ذلك بحث فى سورة الأعراف، قال ابن مسعود: من عوقب فى الدنيا بسيئته بقيت له عشر حسنات، وإن لم يعاقب عوقب بها فى الآخرة، وبقيت له تسع حسنات، ويلٌ لمن غلبت آحاده عشراته، وفيه البحث السابق، وقيل: معنى الآية: من عمل لله وفقه الله بعد لطاعته فهى فضل الله.
{ وإنْ تَولَّوا } أعرضوا عن الإيمان، وأصله تتولوا، وحذفت إحدى التاءين، وقرئ تولوا بضم التاء واللام من ولى بالتشديد مثل
{ { ولى مدبراً } { فإنِّى أخاف عَليْكم عََذابَ يَومٍ كَبيرٍ } أى عذاب القيامة، وهو النار، وقيل: وقت الشدة فى الدنيا، وهو سبع سنين القحط، اشتد فيهن القحط حتى أكلوا الجيف والعظام، وسكن ياء إنى غير نافع وابن كثير وأبى عمرو.