التفاسير

< >
عرض

وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
٦
-هود

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ومَا مِنْ } صلة للتأكيد { دَابَّة } هى ما يدب على الأرض من إنسان وغيره فى العرف بماله أربع أرجل { فى الأرْضِ } نعت لدابة، أو متعلق بدابة، على أن المعنى ما من نفس تدب على الأرض { إلاَّ على اللهِ رزْقُها } وعدها به، وتكفل لها به، فهو رازقها لا محالة، لأنه لا يخلف الوعد، فكأنه واجب عليه، وإلا فهو منه فضل، ولشبهه بالواجب من حيث إنه لا بد من وقوعه، أتى باللفظ الموضوع للوجوب، وهو على مع ما فيه من تحقيق الوصل والحمل على التوكيل فيه، ولا يصح أن يقال: إنه واجب عليه ولو ضمنه ووعد به، بل يقال: إنه لا يخلف الوعد خلافا لما يوهمه كلام جار الله، إذ قال: هو تفضل، إلا أنه لا لما ضمن بأن يتفضل به عليهم رجع المتفضل به واجبا كنذور العباد، وزعمت الكرامية أنه واجب عليه، وما ذكرته فى تخريج الآية أولى من قول بعض إن على بمعنى من.
{ ويعْلَم مُسْتقرَّها } موضع استقرارها وسكناها من الأرض فى الحياة { ومُسْتودعَها } موضع استيداعها بعد الممات، وهو قول ابن عباس، والحسن، وقيل: المستقر الأصلاب، والمستودع الأرحام، وقيل: المستقر مكانها ومسكنها من الأرض، والمستودع ما كانت فيه قبل الاستقرار من صلب أو رحم أو بيضة.
وقال ابن مسعود: المستقر الرحم، والمستودع المكان الذى تموت فيه، وقيل: المستقر الجنة والنار، والمستودع القبر، وذكر عكرمة عن ابن عباس: أن المستقر الرحم، والمستودع الصلب، وقال الكلبى: المستقر مكانها الذى تأوى إليه فى الليل، والمستودع مكانها بعد موتها، أجاز بعض أن يكون المستقر الموضع الذى تستقر فيه، فالفعل بعد وجودها فى الخارج، والمستودع موادها كالمنى والعلقة، والمقار كالصلب والرحم، فإن الدابة قبل وجودها فى خارج البطن ليست مودعة فى ذلك بالفعل، بل لقوة لأنها ليست حالها حين كانت نطفة أو علقة أو غيرهما كحالها حين كانت خارج البطن.
{ كلٌّ } من الدواب وأحوالها { فى كِتابٍ مُبينٍ } ظاهر أو مظهر وهو اللوح المحفوظ، كتبت فيه، وذلك بيان لكونه عالماً لأشياء كلها، وبين به أنه قادر على الممكنات كلها، تقريرا للتوحيد، لما سبق من الوعد والوعيد به بقوله: { وهُو الَّذى خَلَق السَّماواتِ }.