التفاسير

< >
عرض

وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ
٨
-هود

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولَئنْ أخَّرنا عَنْهم العَذابَ } الموعود به { إلى أمةٍ مَعدُودةٍ } جملة قليلة من الأوقات، وهذا يعم قول الكلبى: سنين معدودة، وقول بعض: مدة معدودة، وقول بعض: أجل معدود، وقول مجاهد: إلى حين معدود، والكل بمعنى، ويصح أن يكون المعنى إلى انقراض أمة من الناس ومجئ أخرى { ليقُولنَّ } استهزاء وإنكاراً { ما } مبتدأ استفهامية وجملة { يحْبسُه } أى العذاب خبر { إلاَّ يَوْم } متعلق بخبر ليس وهو { مصروفا }.
قال ابن هشام: احتج به مجيز تقديم خبر ليس عليها، أى لأن تقديم المعمول وهو هنا يوم لا يصح غالبا إلا إذا صح تقديم عامله، وهو هنا { مصروفا } ومن غير الغالب امتناع تقديم معمول لن كزيدا من لن أضرب زيدا لضعف الحرف.
قال: وأجيب بأن المعمول ظرف فيتسع فيه انتهى، ولا يلزم الجمهور تقديم خبر ليس إذا كان ظرفا، أن معمول خبر الناسخ دون الخبر، ولا يلزم من انتقال الضعيف عن محله انتقال القوى، وأجيب أيضا بأن يوم مفعول لمحذوف، أى لا يعرفون يوم، فتكون جملة { مصروفا } حال مؤسسة، وأجاز خالد كونها مؤكدة وهو ضعيف، وبأنه متعلق بليس، فإن الصحيح أن الأفعال الناقصة تدل على الحدث، فيصح التعليق بها، وذلك كله على أن ضمير يأتى، وضمير ليس عائدان إلى العذاب، وأجيب أيضا بأن يوم مبتدأ بنى على الفتح لإضافته للجملة، وخبره ليس مصروفا، فالضمير فى يأتى للعذاب، وفى ليس لليوم.
{ يَأتيهمْ لَيسَ مَصْروفا عَنْهم } وذلك يوم بدر وعذابه، وقال ابن عباس: وقت قتل جبريل المستهزئين، وقيل: يوم النفخة وعذابها، إذ ينفخ على الدائنين بدين أبى جهل لعنه الله، فالضمير لجنس الكفار، ولو كان الخطاب لمخصوصين، وقيل: يوم القيامة وعذابه هو قول الكلبى.
{ وحَاقَ } نزل وأحاق { بِهِم } الباء للإلصاق وللاستعلاء { ما كانُوا بهِ يسْتَهزئونَ } وهو العذاب المذكور بأقواله، أو حاق بهم جزاء استهزائهم به، أى بالعذاب، فعلى هذا الوجه تكون ما مصدرية، والهاء للعذاب، ويجوز أن يكون يستهزئون موضوعا موضع يستعجلون، "لأن استعجالهم استهزاء، فإن قولهم: ما يحبسه" مثل قولهم:
{ { اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك } الخ وقولهم: { { ائتنا بعذاب الله } وحاق بمعنى يحيق، أو نزل الحال منزلة الحاضر، لأنه واقع لا بد، للمبالغة فى التهديد.