التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ
٨٢
-هود

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فلمَّا جاءَ أمْرُنا } عذابنا لأنه أمر من الأمور، وأجاب لما بقوله { جَعَلنا عَاليَها سَافِلها } لأنهم حين رفعهم جبريل من تحت مدائنهم إلى السماء، حتى سمع أهلها نباح الكلاب، وصياح الديكة، وبكاء الصبى، ليسوا فى عذاب، ولكنه جاءهم وتوجه إليهم، والعذاب إنما هو من حين قلبها، يجعل العالى سافلا.
قال الحسن: خسف بهم فهم يتلجلجون فى الأرض إلى يوم القيامة، ويجوز أن يكون قوله: { أمرنا } بمعنى أمرنا بعذابهم ولا إشكال فى جعل العالى سافلا مسببا عن أمره بعذابهم، وإنما أسند الجعل إلى نفسه تعالى، مع أنه فعل لجبريل لأنه خالق ذلك الفعل، والأمر به، ولتعظيم ذلك الجعل، وروى أن فيهن أربعمائة ألف، ومرّ كلام فيهم، ويأتى آخر، قيل خمس مدن أكبرها سدوم، وقيل: أربع، وقيل: ثلاث.
{ وأمْطَرْنا عليها } على المدن بعد قلبها، أو على من كان خارجا عنها من أهلها، أو مسافرا { حِجارَةً مِنْ سجِّيلٍ } طين متحجر كالأجر المطبوخ، وسجيل معرب فارسى معناه ماء وطين، وبدل لذلك قوله:
{ { حجارة من طين } وذلك قول ابن عباس، وابن جبير، والجمهور، وأصله بالفارسية سنككل، أو سد كل، أو سند وكل.
وعن مجاهد معناه بالفارسية: أولها حجر، وآخرها طين، يعنى كل حجر منها كذلك، وقيل: من أسجله بمعنى أطلقه وأرسله، لأنها حجارة مرسلة عليهم، أو من أسجله بمعنى أدر عطيته، أى مثل الشئ المرسل، أو من مثل العطية فى الإدرار، أو من السجل أى الكتابة فالمعنى مما كتب لله أن يعذبهم به، وقيل: من سجين وهى جهنم، قد أبدلت النون لاما، وقيل: اسم لسماء الدنيا، وقيل جبل فى سماء الدنيا، والصحيح الأول.
ويرد القول بأنه جهنم، والقول بأنه السماء بقوله: { منْضُودٍ } لأن جهنم والسماء مؤنثان سلمنا أنهما مذكران إذا عبر عنها بسجيل، كما إذا عبر عن المرأة بإنسان، لكنهما ليسا منضودين، إلا إن وصفا بالنضد، باعتبار حجارتهما، فإنها منضودة، ومعنى منضود أنه مهيأ لعذابهم، أو جعل متتابعا، أو مرتكما ملتصقا قبل الإرسال.