التفاسير

< >
عرض

وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ
٨٥
-هود

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ويا قَوْم أوْفُوا المكْيالَ والميزَانَ } هذا داخل فى قوله: { { ولا تنقصوا المكيال والميزان } مبالغة، ويشتمل الكلام صراحة على النهى عن الأمر القبيح، وهو نقص المكيال والميزان، وعلى الأمر بالحسن ترهيبا وترغيبا، ولينبه على أنه لا يكفيهم الكف عن تعمد النقص، بل يلزمهم السعى فى الإيفاء ولو بزيادة لا يأتى الإيفاء بدونها.
{ بالقِسْطِ } أى بالعدل بلا زيادة ولا نقصان، وذلك حق للكيل والوزن، فإن شاء صاحب المال زاد بعد ظهور الوفاء على حدة، فان الزيادة مأمور بها أمر ندب فى غير الآية، إن لم يلزم بها محرم كربا، أو على الكائل والوازن من ماله أن ينوى بالوفاء القسط، فإن زينة الإيفاء أنه قسط، وقيل: القسط تقويم لسان الميزان، وتعديل الميزان، ويبعث فيه بأن العرب لا تعرف هى ولا غيرها لسانا للميزان وقت نزول ذلك، وإنما أحدثه بعضهم بعد ذلك، فلا يخاطبهم به، إلا إن أراد صاحب ذلك القول دخول تقويم لسان الميزان، وتعديل المكيال فى عموم القسط من حيث الإجمال.
{ ولا تبخَسُوا } لا تنقصوا { النَّاسَ أشْياءَهُم } أموالهم فى الكيل والوزن وغيرهما، فذلك عطف عام على خاص، فشمل القطع من الدنانير والدراهم، ونقص منها عند عملها، والغش فيها، وذم أموال الناس بما ليس فيها، ومدح أموالهم بما ليس فيها، فإنه إكثار لثمنها من غير حق، فهو يحسن المال مشتريها، وشمل أخذ المكسر والنقص من أثمان ما يشترون، وأشياء مفعول ثان لتبخسوا.
{ ولا تعْثَوا فى الأرْضِ مفْسِدينَ } عموم بعد تخصيص، فإن العثى فى الأرض شامل لذلك كله والسرقة والغارة وقطع السبيل، ويجوز أن يراد بالبخس والعثى نقص الكيل والوزن، ومفسدين حال مؤكد لعامله، فإن العثى إفساد، والمراد مفسدين أمر دينكم ومصالحكم، وادعى بعض أن فائدته إخراج ما يقصد به الإصلاح كفعل الخضر عليه السلام، ويرد له أنه لم يكن لهم مثل ماله، وعلى هذا القول والوجه الذى قبله تكون الحال غيره مؤكدة بالنظر لمتعلقها المقدر فى الوجه المذكور.