التفاسير

< >
عرض

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
١٠٠
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ
١٠١
-يوسف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ورَفَع أبويْهِ } بعد اشتمال داره بمصر عليهما { عَلى العَرشِ } السرير الذى كان يجلس عليه إكراما لهما { وخرُّوا } أى أبواه وإخوته الأحد عشر { له سُجَّداً } بوضع الجباه على الأرض أو غيرها تعظيما له، وكان ذلك تحية جائزة بينهم فى ذلك الزمان، لا عبادة لمخلوق.
قال ابن عباس رضى الله عنهما: جليس يعقوب عن يمينه، وخالته عن شماله، وإخوته بين يديه، وسجدوا وقالوا فى سجودهم: سبحان من ألف بين يوسف وإخوته، ولا تعظيم فوق من عظمه الله بسجود أبيه له وهو نبى، وأى نبى، وفى سجوده إزاحة لأنفتهم عن السجود له، وذلك هو الظاهر عندى.
وقيل: ليس ذلك سجودا كسجود الصلاة، بل انحناه، وضعَّف بأنه خلاف ظاهر خرورهم سجدا، وقيل: سجدوا لله إلى جهة يوسف، تعظيما له، كما يسجد إلى الكعبة.
وعن الحسن: الهاء فى له لله، أى وخروا لله سجدا وهو ضعيف، وقيل: الهاء ليوسف كما مر، لكن على معنى انهم خروا لأجل يوسف سجدا لله وشكرا.
وأجمعوا أنه ليس السجود عبادة منهم ليوسف، وظاهر الآية أن السجود كان بعد رفع أبويه على العرش، فهما سجدا له على العرش، أو نزلا، وقيل: كان قبله ولكن قدم الرفع اهتماما بذكره.
وروى أن يعقوب قال ليوسف بعد ما أفاق: أخبرنى ما فعل بك إخوتك يا حبيبى؟ قال: يا أبت كان ما كان، وقص عليه قليلا من القصة فغشى عليه، ثم أفاق فقال له: يا حبيبى أخبرنى كيف صنعوا بك؟ قال له: يا أبت مضى ما مضى فلا تذكر تلك أيام خلت، وقد وصل الحبيب إلى الحبيب، فلله الحمد على ذلك.
{ وقالَ يا أبتِ هذا } أى سجودكم { تأويلُ رُؤياىَ مِنْ قبلُ } متعلق برؤياى، أو حال من رؤياى، أو متعلق بمحذوف معرف، أى لرؤياى الواقعة من قبل هذا الزمان فى وقت الصبا، وهى رؤيته أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له.
{ قَد جَعَلها ربِّى حقا } صدقا، وبين رؤياه وتأويلها قال بعضهم: ثمانى عشرة سنة، وقال سلمان: أربعون سنة، وأبو صالح، عن ابن عباس: اثنتان وعشرون، وابن جبير، وعكرمة، والسدى: ست وثلاثون، وقتادة: خمس وثلاثون، وابن مسعود سبعون، والفضيل بن عياض ثمانون، وكذا قال الحسن، قال: عمره وقت الجب سبع عشرة، وأقام العبودية والسجن والملك ثمانين، ومع أبيه وإخوته وأقاربه ثلاثا وعشرين، ومات لمائة وعشرين، وقيل لمائة وعشر.
{ وقَدْ أحْسن بى } أى إلىَّ، والمعنى أوصل إلى النعم، أو الباء للإلصاق { إذْ أخْرجنى من السِّجنِ } لم يذكر إخراجه من الجب، مع أن إلقاءه فى الجب أصعب من [دخوله } السجن، لئلا يخجلهم بعد ما قال: { لا تثريب عليكم اليوم } ولأنه فى مقام تعديد النعم، ونعمة الله عليه فى الإخراج من السجن أعظم منها فى الإخراج من الجب، لأنه أخرج من الجب للرق، وأخرج من السجن للملك، ذكر الوجهين الثعالبى، وزاد الخازن وجها لكنه قول هو أن دخوله الجب كان لحسد إخوته، ودخول السجن لنزول التهمة فكان أعظم نعمة.
{ وجَاء بكُم من البدْوِ } من البادية، وكانوا أصحاب مواش يرعونها ويأوون إلى الحضر، وليسوا بأهل عمود يتبعون الماء والحشيش، فلا دليل فيه على أنه يجوز أن يكون النبى بدويا، وقيل: إن يعقوب وبنيه بدويون، فإن صح فلا دليل فيه، لأن أصلهم فى الحضر فارتحلوا للبدو للغنم فقد تأدبوا بأدب الحضر، وأبقوا وطنهم فى الحضر، أو أنه جائز فى شرعهم التبدى بعد التحضر، وسمى خلاف الحضر بدوا لأنه تبدا أرضه، ويظهر فيها الشخص، ووجه كون المجئ بهم من البدو إحسانا أن فيه إغناء عن مشقة البدو، أو جمعا بينهم وبين يوسف وقيل: البدو اسم مدينة وهو ضعيف، والخطاب لأبويه وإخوته ومن معهم.
{ مِنْ بعدِ أنْ نزغَ الشيِّطانُ } أفسد وأغرى بالشر، من قولك: نزغ الدابة إذا نسخها لتجرى، أو لتضرب برجلها، أو تعض بفيها { بيْنى وبين إخْوتى } سكن ياءه غير ورش، ونزغ الشيطان وسوسته، وخالق الخير والشر الله.
{ إنَّ ربِّى لطِيفٌ } أى لطيف تدبيره أو أن تدبيره لطيف رقيق { لما يشاءُ } أى لأجل ما يشاء، حتى يجئ على وفق الحكمة والصواب، لا يتعاصى عنه شئ، فانظر كيف جمع بين يوسف وأبيه وإخوته وأقاربه بإلقائه فى الجب، فإن ذلك أمر خفى لا يتفطن له أحد، أو اللطيف الرفق، وعليه فيجوز إبقاء اللام على أصلها، وجعلها بمعنى الباء { إنَّه هو العليم } بخلقه ومصالحهم وتبديرها { الحَكيمُ } فى صنعه، لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة.
قال فى عرائس القرآن: قال الفضل ابن عياض: بلغنا أن يعقوب دخل مصر ورأى يوسف ومملكته، وكان يطوف يوما فى خزانة فرأى خزانة مملوءة قراطيس فقال: يا بنى ما منعك أن تكتب من هذه القراطيس كتابا إلىَّ؟ قال يوسف: يا أبت منعنى جبريل. فسأل يعقوب عليه السلام جبريل عن ذلك قال: منعنى ربى، فسأل الله تعالىعن ذلك فأوحى الله إليه، لأنك قلت:
{ وأخاف أن يأكله الذئب } فاستوجب هذه العقوبة لخوفك من غيرى.
وفى رواية أن يوسف أخذ بيد يعقوب، وطاف به خزائن الذهب والفضة، والحلى والثياب والسلاح، وغير ذلك، فأدخله خزائن القراطيس، قال يا بنى ما منعك، أو ما أغفلك عن هذه القراطيس، وما كتبت لى على ثمانى مراحل؟ قال: أمرنى جبريل. قال: أو ما تسأله؟ قال: أنت أبسط إليه منى فاسأله فقال: الله أمرنى بذلك لقولك:
{ وأخاف أن يأكله الذئب } فخفت غيره، ولم تذكرنى وهو أحق أن تخافه.
وروى أن يعقوب أقام معه أربعا وعشرين سنة، ثم مات وأوصى أن يدفنه بالشام إلى جنب أبيه إسحاق، فمضى به محمولا فى تابوت من مساج إلى الشام، ووافق موت العيص أخى يعقوب فدفنهما فى قبر واحد، وقد ولدا من بطن واحد، وعمرها مائة وسبعة وأربعون سنة.
والذى سبق فى حفظى أنه قال ابن عباس رضى الله عنهما: سأل يوسف أباه ان يكون معه فى قصره على عرشه إلى أن يموت، قال: يا يوسف ليس هذا من شأن أبيك، ولكن اتخذ لى مسكنا من خارج القصر حتى أدخل فيه، وأعبد الله حق عبادته، وأوحده حق توحيده، وأشكره حق شكره، على ما ألف بيننا.
فقال يوسف: إذا جاء الليل فتعال بت معى حتى أشم رائحتك، فقال: نعم وكرامة، فأمر أن تبنى له خلوة، فدخلها يعقوب، يصوم النهار ويقوم الليل، ويجاهد فى الله حق جهاده، وأمر أيضا أن يبنى لكل واحد من إخوته قصرا إلا بنيامين فأسكنه معه فى قصره، وكانت زليخا تتعلم العلم من يعقوب، حتى صارت فقيهة أفضل من بمصر من رجال ونساء، ولا مر يوم إلا زادهم الله حبا وشوقا إليه، وترهبت زينة وزليخا، فكلما دخل عليها يوسف وجدها مشتغلة بذكر الله، وبقى يعقوب عليه السلام أربعين سنة يعلم أولاده وأولادهم العلم.
وقيل: وكان لكل واحد من أولاده اثناء عشر ولدا ذكورا أنبياء صالحين بوقت طيب، وأتم سرور، ثم أنزل الله جل جلاله جبريل على يعقوب يقول له: يرتحل إلى الأرض المقدسة عند قبور آبائه حتى يلحقه ملك الموت بها، فقال ليوسف: يا بنى بشرنى جبريل بالارتحال إلى مجاورة ربى عز وجل. قال: يا أبت متى وعدك بقبض روحك؟ قال: الآن، فصاح فغشى عليه، ورش عليه الماء فأفاق، فقال: يا أسفى على الفراق ما أمره،، فودع يوسف وبنيه، وخرج حتى وصل قبور آبائى، فبكى عليها حتى لحقه النوم، فرأى فى نومه إبراهيم الخليل على كرسى من جوهرة حمراء، تضئ كالشمس، وبيمينه إسماعيل، وبيساره إسحاق ويقولون: الحق بنا يا يعقوب، فإنا منتظروك.
فانبته فرحا مسرورا، وقام من موضعه وقال لناقته: ارجعى إلى يوسف وقولى له: إن أباك قد رحل إلى ربه فرأى قبرا مفتوحا مطيبا مزينا تفوح منه رائحة المسك الأذفر، فنزل ملك الموت فى صورة آدمى فقال له يعقوب عليه السلام: يا عبد الله أتعلم لمن هذا القبر؟ قال له: نعم، وهو لعبد كريم على ربه. قال: أتعرف ذلك العبد؟ قال:نعم، هو من أراد عمرانه، فقال يعقوب عليه السلام: اللهم إننى أسألك أن تجعل هذا القبر لى، فنودى إنى جعلته لك يا ابن إسحاق، فتحول ملك الموت إلى صفته فنظر إليه يعقوب عليه السلام وقال: من أنت أيها الشخص، فوالله لقد تضعضعت منك أركانى، وتقطعت منك أوصالى، وتقلقلت منك أسنانى؟ قال: أنا ملك الموت. فقال: مرحبا بأمر الله تعالى وقضائه، اللهم بارك لى فى لقياك، وهون على سكرة الموت.
قال وهب بن منبه: لما وصلت الروح صدره قال: اللهم إنى أسألك يا رب أن تهون سكرات الموت على يوسف، ثم قال: اللهم أن تهون علىَّ سكرات الموت، ثم قال لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ثم خرجت روحه.
قال كعب الأحبار رضى الله عنه: مات يعقوب عليه السلام وهو ابن مائتى سنة، ونزل جبريل ومكائيل فى زمرة من الملائكة يزيدون على عشرة آلاف ملك، فغسله جبريل ومكائيل وكفناه، وصلوا عليه ودفنوه، وأوحى الله جل جلاله إلى جبريل عليه السلام أن انزل على عبدى يوسف، وقل له: آجرك الله فى أبيك يعقوب، فوصل قبل الناقة ففعل، وقد وكل الله سبحانه وتعالى بها ملكا فيحفظها، ووصلت وسلمت عليه بالعبرانية: السلام عليك يا يوسف، إن أباك يقرؤك السلام وهو مودعك إلى يوم القيامة.
واجتمع يوسف مع بنيه وإخوته، فبكوا بكاء شديدا ثلاثة أيام بلياليهن وبكت الناقة لبكائهم حتى حضرتها الوفاة، قيل: عاش بعد أبيه ثلاثا وعشرين، وقيل ستين سنة، ولما تمت عليه النعم بالجمع بينه وبين أبيه وإخوته، ومات أبوه، وعلم أن ملك الدنيا لا يدوم، وأن الأمر إذا تم زل، تمنى الموت شوقا إلى ربه وآبائه والملك الدائم فقال: { ربِّ } أى يا رب { قَدْ آتَيتَنى مِنَ الملكِ } أى شيئا من ملك الدنيا، وإلا فملك مصر كان قبل ذلك كله بيده، وريان كتابع له، وقيل: بعضا من ملك مصر، على أن ريان لم يخرج منه بالكلية فى أربع عشرة السنين، أو أراد بعض ملك مصر فى ما بعد الأربع عشرة، لأنه بعدها رد الملك لريان، لكن لا يرد أمر أراده، وعلى كل حال من للتبعيض، وكذا فى قوله: { من تأويل } لأنه لم يؤت إلا بعض التأويل أيضا، والملك عبارة عن الاتساع فى المقدور لمن له السياسة والتدبير.
{ وعلَّمِتنى مِنْ تأويلِ الأحادِيثِ } الكتب، أو الرأى على ما مر { فاطرَ } صفة للمنادى فى قوله: { رب قد آتيتنى } أومنادى أيضا حذف حرف النداء أيضا أى يا فاطر { السَّماواتِ والأرضِ } أى موجدهما وخالقهما، قيل أصل الفطر الشق، فطر ناب البعير شق وأظهر.
{ أنتَ وَليِّى فى الدُّنيا والآخرةِ } أى متولى أمرى فيهما، ومعينى وناصرى، فأنت تصل إلىَّ منك الدنيا بملك الآخرة الدائم { توفَّنى } أمتنى الآن، فعل دعاء على صورة الأمر مبنى على حذف الألف { مُسلماً } كما أنا ولا تختم على بكفر { وألحقْنى بالصَّالحينَ } من آبائى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، أو أراد الصالحين مطلقا، ولم يأت عليه أسبوع حتى توفاه الله سبحانه وتعالى، وقيل: أتم الأسبوع.
وقيل: أوحى الله جل جلاله إليه لا تموت حتى ترى ستمائة ألف من ولدك ولد ولدك، فدعا أهل مصر للإيمان فأبوا، فخرج هو وإخوته ومن اتصل بهم أربعين ألف رجل وامرأة غير الخدم والذرارى والنساء، ونزلوا عشرة فراسخ من مصر، فأوحى الله سبحانه وتعالى لجبريل: انزل على عبدى يوسف وأمره أن يبنى حيث نزل مدينة يسميها الحرمين، وهى الفيوم تسكنها والمؤمنون ففعل، قيل له: أين الماء؟ وقد بعد بفراسخ، فدعا ربه جل جلاله، فخرق جبريل نهرا فى الأرض من النيل إليها، فبنوا عليها سورا عظيما وبوبوها، وكتبوا على أبوابها هذه مدينة الحرمين بناها يوسف بن يعقوب عليهما السلام، ونصب فيها الدكاكين والأسواق، وتحولت بركة مصر إليها، وكان خراجها كل يوم ألف دينار، فلذلك سميت الفيوم وذكر السيوطى أنها سميت لبنائها فى ألف يوم، فماتت زليخا فصلى عليها وبنوها، وبنو أبنائها.
قال كعب: لم يتزوج عليها امرأة، وجميع أولاده منها، وكانوا اثنى عشر ذكرا، وقيل: ثلاثة: أفرأيتم، وميشى جد ليوشع بن نون، ورحمة امرأة أيوب، ومات بعد زليخا بأربعين يوما، طلب الموت مسلما كما طلبه أولا، فأجاب الله حينئذ دعاءه.
قال قتادة: لم يسأل نبى من الأنبياء الموت إلا يوسف، وكذا قال ابن عباس، وقيل: لم يتمنه نبى قبل يوسف، وإنما جاز له تمنى الموت وسؤاله، لأنه تمناه وسأله مخافة فساد دينه، كما قال صلى الله عليه وسلم فى دعاءه:
"وإذا أردت بالناس فتنة فاقبضنى إليك غير مفتون" أى فتنة فى الدين وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنينَّ أحدكم الموت لضر ينزل به" فقد يكون فى ضر الدنيا كالفقر والمرض خير.
بات ميمون بن مهران عند عمر بن عبد العزيز، فرآه كثير البكاء وسؤال الموت، فقال له: صنع الله على يديك خيرا كثيرا، أحييت سننا، وأمت بدعا، وفى حياتك خير وراحة للمسلمين. قال: أفلا أكون كالعبد الصالح، لما أقر الله عينه، وجمع له أمره، قال: { توفنى مسلما وألحقنى } يجوز عندى أن لا يكون ذلك من يوسف تمنيا للموت، وسؤالا له، بل لما علم أنه لا بد من الموت دعا الله أن يكون حال موته مسلما وهو إن شاء الله وجه قوى.
ثم رأيت القرطبى فسره فى تذكرته بذلك، وقال: إنه المختار عند أهل التأويل، وكذا اختاره الثعالبى، وكلا الوجهين جائز محتمل.
وفى عرائس القرآن: يروى أنه لما حضرته الوفاة، جمع إليه قومه من بنى إسرائيل ثمانين رجلا، وأذن لهم فحضروا أجله ونزول أمر الله فيه، فقالوا: يا نبى الله نريد أن تعرفنا كيف تتصرف الأحوال بنا بعد خروجك من بين أظهرنا، وإلى من نولى أمرنا أمر ديننا وملتنا؟ قال: إن أمركم يستقيم إلى أن يبعث الله عليكم جبارا عاتيا من القبط، يدعى الربوبية، فيذبح أبناءكم، ويستحى نساءكم، ويسومكم سوء العذاب، فيمتد ملكه، ثم يخرج من بنى إسرائيل من ولد لاوى بن يعقوب رجل رسول اسمه موسى بن عمران، طويل أجعد الشعر، آدم اللون، ينجيكم الله من أيدى القبط على يديه، فجعل كل رجل من بنى إسرائيل يسمى ابنه عمران، ويسمى عمران ابنه موسى.
وكان ليوسف ديك عمره مائة عام، فقال: إنه يقوم أمركم ما دام هذا الديك يصرخ فيكم، فإذا ولد هذا الجبار سكن مدة أيامه، وإذا ولد موسى عاد لصارخه، وذلك علامة انقضاء ملك الجبار، فكان الأمر كذلك، ولما ولد صرخ فاستبشروا وتصدقوا، ولما حضرت يوسف الوفاة استخلف على بنى إسرائيل أخاه يهودا، فدفن فى صندوق من رخام، وتشاح الناس كل يحب أن يدفن فى محلتهم، لما يرجون من بركاته حتى هموا بالقتال، فرأوا أن يدفن فى النيل حيث يتفرق الماء، ثم يصل إلى جميع أهل مصر يعنى أعلى النيل فوق أعمال مصر، وكان فيه حتى حمله موسى من مصر ودفنه بكنعان خارج الحسن، فلذلك تنقل اليهود موتاهم إلى الشام، وقد مر قصة حمله.
وقال عكرمة: دفنوه فى الجانب الأيمن من النيل، فأخصب وأجدب الجانب الآخر، ودفنوه فى الجانب اليسر، فأخصب وأجدب الآخر، فدفنوه فى وسطه بسلسلة، فأخصب الجانبان سبحان من لا انقضاء لملكه.