التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ
٣١
-يوسف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فلمَّا سَمِعتْ بمكْرهنَّ } أى بقولهن المذكور، وسمى مكرا لأنهن قلنه فى خفية عنها، وهو ضرر لها، كما أن المكر يخفى وهو مضر، وقيل: لأنها قد ذكرت لهن أمرها واستكتمتهن إياه فأفشينه، وقيل: لأنهن قصدن بذلك رؤية يوسف، وقد وصف لهن بالجمال الفائق، فأظهرن تخطئتها فى عشق عبد إزراء به فى الظاهر، لتستظهر عليهن بإرأتهن إياه، وظاهر بعضهم أنه مروى عن ابن عباس.
{ أرْسلتْ إليهنَّ } رسلا يدعوهن للضيافة، وتريد أن تقيم العذر لنفسها، صنعت طعاما، ودعت أربعين امرأة شريفة منهن هؤلاء اللاتى قلن امرأة العزيز تراود فتاها الخ، وعن وهب: أنها ادعت سبعا وأربعين امرأة، وقيل: دعت عشرة نسوة ذوات الأزواج من بنات الملوك، وعشرا عذارى من بنات الملوك، فذلك عشرون، منهن هؤلاء القائلات.
وروى أنها أمرت جاريتها أن تدعوهن، وزينت بيتها بأنواع الزينة، وبسطت فرشا من ديباج مذهب، ونصبت الكراسى من الزمرد الأخضر، واليقاوت الأحمر، والذهب والفضة، وقالت لها جاريتها: يا سيدتى قد وقعن فى عرضك وأنت قد أعددت لهن ذلك؟ قالت: نعم إنى لأعذبهنَّ برؤية يوسف أعرضه عليهن حتى يرينه كلهن، ثم أحجبه عنهن حتى يمتن من عشقه.
{ وأعْتَدتْ } أحضرت هو من عتد بمعنى حضر، دخلت عليه همزة العدية { لهنَّ مُتَّكئاً } اسم مفعول على الحذف والإيصال، أى متكأ عليه أى ما يتكئ عليه من الوسائد، وما يستند عليه ليتكئن أو يستندن.
قال ابن عباس، وابن جبير، والحسن، وقتادة، ومجاهد: المتكأ، وسمى الطعام متكأ لأنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب تترفا، ويعدون لمن دعوه للطعام ما يتكئ عليه، ولذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: "لا أكل متكئا" فسمى باسم ما يجاوره، حتى أنهم يقولون: اتكاؤنا عند فلان، أى طعمنا عنده.
وقيل المتكأ مجلس الطعام، وقيل: طعام يجز بالسكين، سمى لأن القاطع يتكئ عليه بالسكين، وقرأ الحسن متكاء بالمد للإشباع، وقرئ: متكى، بإبدال الهمزة ألفا، وقرأ ابن عباس فى رواية وغيره: متكأ بإسكان التاء فقيل: هو الأترج لعلها أهدت أترجة على ناقة، وكأنها الأترجة التى ذكرها أبو داود فى سنته، أنها شقت بنصفين، وحملا كالعدلين على جمل، فإن الأترجة يقال لها: متكة، وقيل: كل ما يقطع بالسكين من الطعام، وقرئ متَّكاً بالتشديد والتنوين على الكاف، وعليها الإعراب من متك الشئ بتشديد يمتكه أى قطعه، أى أحضرت لهن ما يحتاج للقطع، وعن وهب أعدّت أترجا وموزا وبطيخا، وقرأ الأعرج متكأ بفتح الميم وإسكان التاء من تكأ يتكأ بمعنى اكتكى، أى موضع اتكاء.
{ وآتتْ كلَّ واحِدةٍ منْهنَّ سِكيناً } خنجراً، وكان من عادتهم أن يأكلوا اللحم والفواكه بالسكين، وروى أنها أعطت لهن الشراب، والأترج، والرمان، والخمر، والخبز، والحوار فيه اللحم المدقوق، والبيض، والبقول، على فرش ومساند حشوها الريش، وأعطت كل واحدة سكينا لقطع الأترج.
قيل: وكان يسمى بالقبطية متكا، وعن زيد أنها أعطت كل واحدة صحيفة من عسل وأترجة وسكين حاد ا هـ.
وقالت: لا يخفى عليكن ألا ما قطعتن لفتاى يوسف إذا جاء؟ فقلن: نعم، وكان فى بيت آخر قد زينته بكل زينة.
{ وقالَتْ اخْرُجْ عَليهنَّ } يا يوسف، فخرج كالبدر ليلة الكمال من حسنه وجماله، يهتز كأنه عرج من جنة الخلد، روى أنها قالت: ما حقى عليكن؟ فقلن: أنت سيدتنا، الكبيرة والمطاوعة فينا، نسمع لك ونطيع، فقال: فحقى عليكن إذا خرج إليكن يوسف فتاى، أن تقطعن له مما فى أيديكن وتعطينه يأكل إذا خرج عليكن، فقلن: حبّا وكرامة.
فأقبلت على يوسف وقالت: أطعنى اليوم واعصنى أبدا قال: أما ما لا يكون فيه سخط ربى فلا أبالى، فقالت: دعنى حتى أزينك، وإن كنت مزينا، قال: اصنعى ما بدا لك، فرصعت ذوائبه بالياقوت، وكللت جبينه بالدر، وألبسته قباء أخضر، ومنطقة من ذهب، ووضعت منديلا من السندس على عاتقه، وكأسا من ذهب فى يده، ووضعت التاج على رأسه، والإكليل على جبينه، وألبسته قميصا مرصعا بالدر والياقوت، ومنطقته بمنطقة من ذهب، ونعلته بنعلين من در منسوج، وطيبته وأرسلت ذؤابتين على كتفيه وأمرته بالخروج عليهن، وكل واحدة منهن على سرير تقطع الأترج أو نحوه،وقيل: قالت لهن: لا تقطعن حتى أمركنّ فخرج عليهن.
{ فلمَّا رأينَه أكْبرنَه } عظمنه جميعا، وهابت كل واحدة منهن حسنة الفائق، وكان فضل يوسف على الناس فى الجمال والحسن، كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء.
وعن أبى سعيد الخدرى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مررت بيوسف الليلة التى عرج بى إلى السماء فقلت لجبريل: من هذا؟ فقال: يوسف فقيل: يا رسول الله كيف رأيته؟ قال: كالقمر ليلة البدر" ومن حديث الإسراء: "ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة ففتح لنا، فإذا بيوسف عليه السلام، وإذا هو قد أعطى شطر الحسن، فرحب بى ودعا لى بخير" .
قال إسحاق بن عبد الله بن أبى فروة: كان إذا سار فى أزقة مصر تلألأ وجهه على الجدران كما يرى نور الشمس من السماء عليها، وقيل: ما كان أحد يستطيع وصف يوسف، وقيل: كان يشبه آدم يوم خلقه الله تعالى قبل أن يصيب الخطيئة، وقيل: ورث الجمال من جدته سارة.
قال كعب الأحبار رضى الله عنه: إن الله تعالى مثل لآدم ذريته بمنزلة الذر، فأراه الأنبياء نبيا نبيا، فأراه فى الطبقة السادسة يوسف متوجا بتاج الوقار، ومتآزرا بحلة الشرف، مترديا برداء الكرامة، متقمصا بقميص البهاء، وفى يده قضيب الملك، وعن يمينه سبعون ألف ملك، وعن يساره سبعون ألف ملك، ومن خلفه أمم الأنبياء، لهم زجل بالتسبيح والتقديس، وبين يديه شجرة السعادة تزول معه حيث زال، فلما رآه آجم قال: إلهى من هذا الذى أبحت له بحبوحة الكرامة، ورفعت له الدرجة العالية؟ قال الله تعالى: هذا ابنك المتوج يا آدم انحله، قال: أنحلت له ثلثى حسن ذريتى، ثم ضمه إلى صدره وقبله بين عينيه، وقال: يا بنى لا تأسف فأنت يوسف.
فأول من سماه يوسف آدم: ولما عصى نزع منه الجمال كله، فلما تاب رد له الثلث وتوارثه أولاده قسما بتفاوت إلا يوسف فله الثلثان الباقيان، وكان كضوء النهار على الليل أبيض اللون، حسن الوجه، جعد الشعر، مستوى الخلق، غليظ الساقين والعضدين والساعدين، أخمص البطن، أقنى الأنف، صغير الصفرة، بخده الأيمن خال أسود يزين وجهه، وبين عينيه شامة بيضاء، وكانت أهداب عينيه تشبه قوام النون، إذا تبسم رأيت النور من ضواحكه، وإذا تكلم رأيت فى كلامه شعاع النور، يتبين من ثناياه، ولا يقدر بنو آدم ولا أحد على وصفه.
ويقال: إنه ورث الحسن من جده إسحاق، وكان إسحاق أحسن الناس، وإسحاق بالعبرانية الضحاك، وإسحاق ورث الحسن من أمه سارة، لأن الله تعالى صورها على صورة الحور العين، ولكن لم يعطها صفاءهن، وسارة وثرت الحسن من جدتها حواء، وكان يوسف يأكل البقول والفواكه، فترى فى حلقه وصدره حتى تصل بطنه.
وقال وهب: الحسن عشرة أجزاء ليوسف تسعة ولسائر الخلق واحد، قال عبد الله بن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"هبط علىَّ جبريل وقال لى:يا محمد إن الله تعالى يقول لك كسوت حسن وجه يوسف من نور الكرسى، وكسوت نور وجهك من نور عرشى" .
قيل لحكيم: يوسف أحسن أم محمد صلى الله عليه وسلم؟ فقال: يوسف أحسن الناس، ومحمد صلى الله عليه وسلم أحسن الخَلْق، ويناسبه حديث جابر بن عبد الله قال: نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء، ونظرت إلى القمر ليلة البدر فهو أحسن فى عينى من القمر.
وقيل: معنى أكبرنه حضن له، فالهاء على نزع الخافض، يقال: أكبر المرأة إذا حاضت، لأنها تخرج من الصغر بالحيض، فمعنى أكبرنه حضن لأجله من شدة اشتهاء الجماع، ويجوز على تفسير الإكبار بالحيض رجع الهاء إلى المصدر، فلا يقدر جار، ولا يجوز أن تكون للسكت، لأن هاء السكت لا تحرك، وادعاء تحركها بنية سكون الوقف تكلف، وكون أكبرن بمعنى حضن رواية عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، قال: حضن من الفرح وأنكر الزجاج صحة أكبرت بمعنى حاضت، ولما رأينه رمن أن يقطعن الأترج أو نحوه له، أو لأنفسهن، أو رأينهن وهن يقطعن فصرن يكثرن القطع فى أيديهن دهشا منه، كما قال الله سبحانه وتعالى:
{ وقَطَّعْن } بالتشديد للمبالغة { أيْديهنَّ } وحسبن أنهن يقطعن نحو الأترج، ولم يحسسن الألم لشغل قلوبهن به، واختلط دم الأيدى بدم الحيض على القول بأن أكبرن بمعنى حضن، ولم تبن أيديهن بالقطع، بل بقيت متصلة على الصحيح.
وقال قتادة: فصلن الأيدى بالقطع، وفى ذلك مكر بهن تبكيتا لهن بما فعلن برؤيته مرة واحدة، وتجبيلا لهن إذا انتبهن، ومكر به بتهويل الأمر عليه إذا خرج وهو صغير على أربعين نسوة مجتمعات فى أيديهن الخناجر، توهمه أنهن يثبن عليه بالخناجر مع من ضم إلى ذلك من رؤيته لهن يقطعن أيديهن ولا يتألمن، فكأنهن نساء من الجن، ولم يخف شيئا من ذلك، ولم يؤثر به، بل علم أن ذلك دهش منهن به.
{ وقُلْنَ حَاشَ اللّهِ } بغير ألف بعد الشين وصلا ووقفا، وقرأ أبو عمرو هنا وفيما يأتى بالألف وصلا، وإذا وقف حذفها اتباعها للخط، وروى ذلك عن اليزيدى أبو عبد الرحمن، عن أبيه، وأبو حمدون، وأحمد بن واصل، وأبو شعيب من رواية أبى العباس الأديب عنه، والأصل إثبات الألف، ولكنها حذفت تخفيفاً وهو حرف يفيد معنى التبرئة لا فعل، ولكنه وضع موضع قولك تنزيها لله، حتى أن اللام بعده للبيان لعمل اللام، وأما حاش فلم تعمل هنا، وساغ ذلك لتنزيله منزلة المصدر كتنزيها، ولهذا لحقها التنوين أيضا مع أنها حرف فى قراءة أبى الشمائل حاشا لله، وقرأ ابن مسعود حاش الله بلا تنوين ولا لام، فيكون حاش جارا للفظ الجلالة، منزلا معه منزلة قولك: تنزيه الله، وبراءة الله، سبحانه الله.
وقرأ الأعمش حشى الله بإسقاط الألف الأولى وإثبات لام الجر، والحكم ما هو وقرأ حاش لله بإسكان الشين، حذفت الهمزة تبعا لحذف الألف وهو ضعيف لالتقاء الساكنين على غير حدة، وقرئ حاشى الإله بألفين.
وإن قلت: ما معنى تنزيه الله هنا؟
قلت: المراد تنزيهه عن صفات العجز، وفى ذلك أيضا تعجب من قدرته تعالى على خلق مثل يوسف، وقيل: المراد حاش يوسف لطاعته لله، او لمكانه من الله أن يرمى بما رمته [به] لأن هذا من فعل البشر وليس منهم.
قال ابن هشام: حاش فى الآية الآتية تنزيهية، وأنها عند المبرد وابن جنى والكوفيين فعل للتصرف فيها بالحذف، ودخولها على اللام، وأن المعنى جانب يوسف المعصية لأجل الله، ويضعف ذلك أن هذا التأويل لا يتأتى فى { حاش لله ما هذا بشر } وأن التصرف بالحذف والدخول على اللام إنما ينفيان الحرفية، ولا يثبتان الفعلية، والصحيح أنها اسم مرادف للبراءة من كذا، بدليل قراءة بعضهم حاشا الله بالتنوين كما يقال براة الله من كذا، أى فهى مفعول مطلق، وعلى هذا فقراءة ابن مسعود حاش الله بالإضافة كمعاذ الله، وليس جارا ومجرورا كما توهم ابن عطية، لأنها إنما تجر فى الاستثناء ولتنوينها فى القراءة الأولى، ولدخولها على اللام فى قراءة السبعة والجار لا يدخل على جاره.
قلت: قد مر الجواب قبل هذا التعليل، قال وإنما ترك التنوين فى قراءتهم لبناء حاش لشبهها بحاش الحرفية، وزعم بعضهم أنها اسم فعل معناه أتبرأ أو برئت، وحامله على ذلك بناءها، ويرده إعرابها فى بعض اللغات انتهى. وقيل فى قراءة حاشى الله بألفين بلا تنوين أن حاشى فعل من الحشا الذى هو الناحية وفاعله ضمير يوسف، أى صار فى ناحية الله مما يتوهم.
{ ما هَذا بَشراً } آدميا، عملت ما عمل ليس لمشاركتها فى نفى الحال، وذلك لغة الحجازيين، وقرأ ابن مسعود برفع بشر بالإهمال، على لغة تميم، وقرئ ما هذا بشرى بكسر الباء وبالقصر، لكن حذفت الألف نطقا للتنوين على أن ذلك مصدر بمعنى اسم مفعول، أى ما هو بعبد مشترى لئم، أو تقدير مضاف أى ما هذا بأهل شرى، أى ليس أهلا أن يشترى.
{ إنْ } أى ما { هذا إلاَّ مَلكٌ كَريمٌ } فإن حاله غير معهودة للبشر، إذ جمع الجمال والكمال اللذين لا يوجدان فى مثله، والعصمة البالغة مع ذلك ادعى للجمال ولكمال الداعيين إلى عدمها أسباب عدمها، كخضوع النساء لهما، ودعائهن لحاجتهن، ولأن جماله فوق جمال البشر، وإنما يفوقه فيه الملك، وذلك أن الله جل وعلا ركز فى الطباع أنه لا أحسن من الملك ولا خير منه غير عقولنا قابلة لتفضيل المؤمن الصادق لكده فى الطاعة وترك المعصية، ولا سيما الأنبياء، ولا سيما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. عن الملائكة.
وخطأ الزمخشرى قائل ذلك وهو الخاطئ، وركز فى الطباع أن لا أقبح ولا شراً من الشيطان، وقرأ الحسن وغيره: إن هذا إلا ملك بكسر اللام، أى ما هو عبد بل سلطان، وعلى كل حال فمعنى كريم حسن أو عظيم القدر عند الله سبحانه، ويجوز أن يكون قولهن: { حاش لله } إلى قوله: { كريم } وصفا بالهيبة والجلالة من جانب نور النبوة، والثبات فى الأمر، وبالرعب منه فى ذلك لا وصفا بالجمال من حيث العشق والميل للجماع، واختاره الفخر.
والمشهور المتبادر المدلول عليه بالسباق واللحاق أن ذلك وصف من حديث العشق والميل للجماع، نعم يصح أن يردن ذلك كله، وأنه كالملك فى عدم الباعث للشهوة، وإنما عددن اسم الإشارة ومقتضى الظاهر أن يقلن إن هو إلا ملك كريم تلذذ بالإشارة إليه.
وروى أنه خرج عليهن وهن يقطعن الأترج، ولما رأينه ظنن أنه صنم زليخا التى تعبده، وكن يسمعن به ويتمنين، وتحيرن وصرن شبه السكارى، ورمن أن يقطعن له مما فى أيديهن كما شرطت عليهم زليخا فصرن يقطعن أيديهن، وجعلت الدماء تسيل فى أحجارهن، ولا يجدن ألم القطع، ولا وقوع الدم على الأجسام، ويوسف يقول: ويحكن ماذا تصنعن بأنفسكن، إنما أنا عبد من عبيد ربى، وزليخا تضحك مما ترى منهن.
ولما غاب عن أعينيهن رجعن من حبهن فقالت لهن: ويحكن هذا ما صنعتن من لحظة واحدة، وأنا منذ سبع سنين أقاسى ما أقاسى، وأخدمه على أطراف البنان، ولا يعيرنى طرفة عين، لا يلتفت نحوى، فقلن لها: ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم من ملائكة ربنا، وأدركهن الخجل لما انتبهن وذكرن ما لمنها به، قيل: أمر الله سبحانه السكاكين أن تقطع أيديهن ليختلط دم الحيض بدم القطع لئلا يفتضحن، ولم تقطع زليخا يديها لأنها اعتادته وتناهى حبه فيها وقيل: أحسسن بالدم ولم يحسسن بالألم.