التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ
٣٣
-يوسف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قالَ ربِّ السِّجْن أحبُّ إلىَّ } أى يا ربى السجن الذى توعدننى به أحب إلىَّ { ممَّا يدْعُونَنى إليْه } الواو لام الكلمة، وهى حرف والنون الأولى فاعل، والفعل مبنى على السكون لاتصاله بنون الإناث، وجد السجن محبوبا فى قلبه أكثر مما تميل إليه نفوس البشر من الزنى، وهو الذى دعون يوسف إليه، وذلك لأن فى السجن السلامة من غضب الله، والفوز من النار إلى الحور العين وغيرهن من نعيم الجنة.
وقيل: إنما قال: { يدعوننى } والداعية واحدة وهى زليخا لأنهن قلن له أطع مولاتك، والأمر بالطاعة فى شئ دعاء إلى الشئ، وقيل: قال: يدعوننى خروجها من التعريض إلى التصريح.
قال بعضهم: لو لم يقل السجن أحب إلىَّ لم يبتل بالسجن، والبلاء موكل بالمنطق، والأليق بالعبد سؤال العافية،
"سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يسأل الله الصبر، فقال له: سألت الله الباء فاسأله العافية" كذا قالوا، والظاهر عندى ما قال يوسف ليس مخالفا للحديث، لأنها ألزمته السجن إن لم يطاوعها، فاشتكى إلى الله بأن قال: كان لا بد من أحد الأمرين فالسجن أحبّ إلىّ، أى المكث فى السجن أحب، وقرئ السجن بفتح السين على المصدرية، أو حبسها إياى أحب.
{ وإلاَّ تَصْرف عنِّى كَيْدهنَّ } أى احتيالهن فى تحبب الزنى إلىَّ إيقاعى فيه، وأدغم نون إن الشرطية بعد إبدالها لاما فى لام لا النافية { أصْبُ } مضارع مجزوم على الجواب، وعلامة جزمه حذف الواو والمعنى أمِلْ { إليهنَّ } أى إلى أنفسهن بالطبع، ومقتضى الشهوة، أو إلى إجابتهن، والصبوة الميل إلى الهوى، ومنه الصبا بمعنى الريح المخصوصة، لأن النفس تستطيبها وتميل إليها لطيب نسيمها، وقرئ أصبُّ بفتح الصاد وتشديد الباء مضمومة من الصبابة وهى الشوق، أو رقته أو رقة الهوى، أو إفراط الشوق أقوال، وعلامة جزمه السكون المقدر على آخره المانع من ظهوره التخلص من التقاء الساكنين، ولم يتخلص بالكسر مع أنه الأصل فى التخلص منه، ولا بالفتح مع أنه أخف، لأن الضمة هى حركة الأصل قبل الجازم.
{ وأكُنْ مِنَ الجاهِلينَ } المذنبين، فإن الجهل كما يكون بمعنى عدم العلم يكون بمعنى الذنب، وبمعنى فعل ما لا ينبغى، ولك ان تقول: هو أبدا بمعنى عدم العلم، فكل من أذنب أو فعل ما لا ينبغى فللجهل بحقيقة حق المجهول عليه، ولو عرف ظاهره حيث لم ترسخ معرفته بها، ويجوز أن يكون المعنى: أكن من الذين لا يعلمون بما يعلمون، فإنهم والجهال سواء، حيث لم تكن منفعة فى علمهم بالاقتداء به.