التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ
٥٩
-يوسف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولمَّا جَهَّزهُم } أصلحهم وأكمل أمْرهُم { بِجهَازِهم } أى بالجهاز الذى جاءوا لأجله، وهو أن يوقروا أبعرتهم بالطعام، وقيل: جهازهم ذلك وما يحتاجون من عدة وزاد، وأصل الجهاز، ما يعد من الأمتعة كالسلة وكعدد المسافة، وما يحمل من بلدة لأخرى، وما تزف به المرأة لزوجها، والفتح أكثر وأفصح، وقرئ بالكسر وهو لغة.
{ قال ائتُونى بأخٍ } نكرة ليكون بصرة من لا يعرفه وهو بنيامين { لكُم مِنْ أبيكُم } إنما قال ذلك ليظهر صدقهم، وقد علق صدقهم إلى ذلك وغيره مما مر آنفا، ولو علم صدقهم بدون ذلك، وفائدته أن يحضر ما لم يحضر من شرح حال الوالد بالكتابة، حتى كأنه مشاهد له ومن الأخ، وبلغ فى جلب ذلك حتى قال لهم: من يشهد لكم بما تقولون أنكم لستم جواسيس؟ فقالوا: إنا ببلاد لا يعرفنا فيها أحد فيشهد لنا، وإن أبانا يعول سبعين إنسانا، فعجل تسريحنا لئلا يهلكوا جوعا، وتذللوا وتملقوا له.
فقال: دعوا بعضكم عندى رهينة، وأتوا بالأخ وبما تقولون حتى أصدقكم، ولا سراح لكم عندى إلا بالرهينة والميثاق، فلعلكم إذا وصلتم بلادكم ترجعون برسم القتال، كأنه لم ينزههم عن مثل هذا لما رأى منهم أول مرة من نحو إلقاء فى الجب وبيع، وإلا فبهت الناس، وظن السوء بدون علامة ظاهره حرام، فكيف يفعله الصديق؟ فقالوا: تقترع أيها الملك فمن أصابته القرعة تركناه عندك.
وروى أن قابل ذلك شمعون فاقترعوا فأصابته القرعة، وكان أحسنهم رأيا فى يوسف حين أرادوا قتله، وقيل: الذى خلع قميصه يوم الجب، وقيل: إنما قال: { ائتونى بأخ لكم من أبيكم } لأنهم قد احتالوا برسمه حملا، وكان لا يبيع لإنسان أكثر من حمل، فأعطاهم عليه حملا بالثمن منهم، وشرط أن يأتوا به ليعلم صدقهم، ولعل صاحب هذا القول يرى أن أم يوسف الحياة حين ذهبوا به إلى البرية، وولدت بنيامين بعده، وهو خلاف ما تقدم، أو قال لهم ذلك: لأنهم لا يدرى أحى بعد أن مات.
{ ألا ترَوْن أنى أوفى الكَيْل } لا أطففه { وأنَا خَير المنْزلينَ } للضيف إذا أنزلتكم بجوارى، وأحسنت ضيافتكم، أو خبر من ينزل الضيف، أى يحضر نزوله وهو ما يقرى به الضيف أولا، ووجه قوله هذا أنه ترغيب فى الرجوع، بمنزلة قولك: ما يمنعكم عن الرجوع والوفاء بالميثاق، وقد رأيتم أنى موف للكيل، وقد ظهر لكم أنى محسن فى ضيافتكم وجملة: { أنا خير المنزلين } مستأنفة من مقول يوسف، أو معطوفة على { ائتونى بأخ لكم من أبيكم } ولو اختلفتا فعليه واسمية، وطلبا وإخبارا، لأن المراد اللفظ لا معطوفة على أنى أوفى الكيل، وإلا قال: وإنى خير المنزلين، إذ لا معلق للرؤية عنها، ويجوز كونها حالا من المستتر فى { أوفى } هذا ما ظهر لى فى الإعراب.
والمعنى وبما ذكرت من أنه لم ينزههم عما مر لما رأى منهم أولا، ومن أن ذلك ترغيب فى الرجوع يجاب عما أورده الفخر من أن الآية تضعف قول من يقول من المفسرين أنه اتهمهم، وأن من يشافههم بذلك لا يليق به أن يقول: { ألا ترون أنى أوفى الكيل } وسكن غير نافع همزة ياء أنى، وروى أنهم لما أوقروا دوابهم دخلوا عليه للوداع فقال: { ائتونى بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أنى أوفى الكيل وأنا خير المنزلين }.