التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ
٦٥
-يوسف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولمَّا فتحُوا مَتَاعَهم } أى حملوه من مصر، فالمراد الطعام أو أوعيته أو كليهما { وجَدُوا بِضَاعتَهم رُدَّت إليهمْ } وقرئ ردت بكسر الراء نقلا من الدال المدغمة، والجمهور يحذفون كسرها حذفا، فتبقى الراء على ضمها، ولما علم يعقوب السلام برد [البضاعة] ضرب بيده إلى رأسه مرتين وقال: واخجلتاه! قالوا: يا أبانا مالك؟ قال: [لو كان] لكم عنده قيمة ما رد عليكم بضاعتكم كذا قيل.
{ قالُوا يا أبانا ما نَبْغى } ما استفهامية مفعول لنبغى، أى أى شئ نطلب فوق هذا الإحسان، أكرمنا وباع لنا وردٍ بضاعتنا، قاله قتادة، أو نافية والمفعول محذوف، أى لا نطلب وراء ذلك إحسانا، فإنه لا مزيد عليه، أو نافية ونبغى بمعنى نجاوز الحد، أى لا تريد فيما ذكرنا لك من إحسانه، أو بمعنى نكذب، فإن الكذب مجاوز للحد، وطغيان أى لا تكذيب فيما ذكرنا لك من إحسانه، وما أردنا بقولنا:
{ فأرسل معنا أخانا } إلا الخير، ويجوز أن يكون المراد لا نطلب منك بضاعة أخرى، بل نذهب بهذه البضاعة المردودة إلينا، وقرأ ابن مسعود وأبو حيوة: ما تبغى بالتاء خطابا ليعقوب، أى أى شئ تطلب وراء هذا من الإحسان، أو من الشاهد بصدقنا.
{ هَذِه بضَاعتُنا رُدَّت إلَينْا } مستأنفة استشهدوا به على قولهم: { ما نبغى } على القراءتين، وعلى الأوجه المذكورة كلها لا على وجه تفسير بنفى بتكذب فقط، قد يتوهم من بعض العبارات، وجملة ردت حال من بضاعة.
{ ونَميرُ أهْلنا } معطوف على محذوف، أى ردت إلينا فنستظهر بها، ونمير أهلنا فى رجوعنا إلى الملك، أى نأتيهم بالميرة وهى الطعام المحمول من بلد لآخر { ونَحفظُ أخَانا } بنيامين عما يضره فى ذهابنا ورجوعنا { ونَزْدادُ } نفتعل من الزيادة، قلبت التاء دالا للزاى قبلها { كيْل بَعيرٍ } لأجله على كيل أبعرتنا فى هذه المرة الثانية، فيكون جملة كيلنا فى المرتين معا اثنين وعشرين كيلا أحد عشر فى كل مرة، وقيل: المراد بهذا الكيل الذى يزدادونه كيل بعير بنيامين لأنه كان يوسف لم يكل له أول مرة حتى يحضر، وزيادته إما على كيلهم السابق، أو على الذى يريدون تجديده، وإذا جعلنا ما نافية جاز عطف الجمل على المحذوف كما مر وهو المتعين عند جعلها استفهامية، وجاز عطفهن على ما نبغى.
{ ذلكَ } الكيل الذى كلناه { كَيْلٌ يَسيرٌ } قليل لا يكفينا إلا بزيادة كيل أخينا، أو كلينا وكيله، أو ذلك الكيل الذى نزداده لأخينا كيل سهل لا يمنعنا الملك منه، وقد أحسن إلينا وأكرمنا بأكثر منه، وهو سخىّء أولا يمصلنا فيه، بل يتبرع بنا به فيرجع عن قريب إن شاء الله، وذلك الكيل الذى يتجدد لنا ولأخينا هيِّن وما هو الأحد عشر حمل بعير، وهى فى كرمه كحمل واحد.
ويجوز على ضعف أن يكون ذلك من كلام يعقوب أوصل بكلامهم على حد ما مر فى قوله:
{ ذلك ليعلم أنى } الخ أى أن كيل بعير شئ حقير لا يخاطر فيه بالولد، قال: ما زالوا يتملقون له فى إرساله، ويذكرون له محاسن الملك، وسخاءه وديانته وعطيته، وأن سيرته كسيرة الأنبياء، وما يجيبهم بشئ سوى قوله: { هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين } ولما أعياهم قام واحد منهم ففتح رحله، فقاموا كذلك فوجدوا بضاعتهم، فازدادوا احتجاجا عليه، فسكن قلبه بعدَ سكون إلى بعث بنيامين، ولكن لم يحبهم حتى فنى ما عنده من الطعام، ودخل الصبيان عليه يبكون من الجوع، فأجابهم بأن يرسله معهم، على أن يعطوه ميثاقا من الله كما قال الله عز وجل: { قَالَ لن أرْسِله معَكَمْ... }