التفاسير

< >
عرض

كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ
٣٠
-الرعد

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ كَذلكَ أرْسلناكَ } أى كما أرسلنا رسلا إلى أمم قبلك أرسلناك { فى أمةٍ قَدْ خَلتْ } مضت { مِنْ قَبلها أممٌ } أرسل الرسل إليهم، فليس إرسالها بدعا { عَليهم الذِى أوْحينَا إليكَ } وهو القرآن، والهاء فى عليهم للأمة، قال صلى الله عليه وسلم: "أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله"
{ وهُم } أى قومك والواو للحال من فاعل فى أرسلناك { يكْفرونَ بالرَّحْمن } أى بالله الذى هو المنعم بجلائل النعم ودقائقها، نعم الدنيا والآخرة، ومنها: إرساله إياك إليهم، وإنزال القرآن المتعلقة به منافع الدين والدنيا، فالمراد بالرحمن الذات الواجب الوجود، وذلك أنهم كفروا بهذا اسم الذى هو قولك: الرحمن، والكفر باسم من أسماء الله كفر بالله تعالى.
ويجوز أن يراد بالرحمن فى الآية هذا الاسم، ويقدر على هذا الوجه مضاف فى قوله: { هو ربى } أى هو اسم ربى.
"لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فى الحديبية قال لعلى أُكتب: هذا ما صالح محمد رسول الله قال سهل بن عمر: إن كنت رسولا لقد ظلمناك، ولكن اكتب هذا ما صالح عليه ابن عبد الله، قال المسلمون: دعنا نقاتلهم، قال: لا لكن اكتبوا ما يريدون وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: أما الرحمن فلا نعرفه إلا رحمن اليمامة وهو مسيلمة، ولكن اكتب: باسمك اللهم، وكانت الجاهلية يكتبون ذلك، فقالوا: دعنا نقاتلهم، فقال: لا لكن اكتبوا ما يريدون فنزل: { كذلك أرسلناك فى أمة } إلى { وإليه متاب }" فالآية مدنية، وبه قال مقاتل، وابن جريج، وقتادة.
والمعروف أنها مكية، وأن سببها أن أبا جهل سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فى الحجر يا الله، يا رحمن، فرجع إلى المشركين فقال: إن محمدا يدعو إليهن اثنين، يدعو الله، ويدعو إلها آخر يسمى الرحمن، ولا نعرف رحمن إلا رحمن اليمامة فنزلت، وقال الضحاك، عن ابن عباس: نزلت فى قولهم: وما الرحمن حين قال لهم:
{ اسجدوا للرحمن } ونزل فى ذلك أيضا: { قل ادعو الله أو ادعو الرحمن } الآية وكذلك قال الحسن.
{ قلْ } يا محمد { هْو ربِّى } مبتدأ وخبر، أو هو ضمير الشأن مبتدأ، وربى مبتدأ وقوله: { لا إله إلاَّ هُو } خبر مبتدأ، والجملة خبر الشأن، أى لا أهل للعبادة سواه، ولا شريك له كما زعم قائلكم: إن محمداً يدعو إلهين.
{ عَليه } لا على غيره { توَكَّلتُ } فى نصرتى عيلكم جميع أمورى { وإليه } لا إلى غيره { مَتَابِ } أى مرجعى، وهو مصدر ميمى بمعنى الرجوع، أى لا أرجع إلا إليه بالبعث للجزاء على مصابرتكم ومجاهدتكم، وحذفت ياء الإضافة، ودلت عليهما الكسرة.
قال ابن عباس وغيره:
"إن نفرا من مشركى قريش، منهم أبو جهل، وعبد الله بن أمية، جلسوا خلف الكعبة، وأرسلوا خلف النبى صلى الله عليه وسلم فأتاهم، وقيل: مر بهم وهم جلوس، فدعاهم إلى الله عز وجل، فقال عبد الله بن أمية: إن سرك أن نتبعك فسير جبال مكة بالقرآن، وأذهبها عنا حتى نتفسح، فإنها أرض ضيقة، فتتخذ فيها بساتين ومزارع، واجعل لنا أنهار نسقى ذلك بها إن كنت نبيا كما زعمت، فلست بأهون على ربك من داود، إذ سخر له الجبال؟
قال: لا أقدر على ذلك.
قالوا: فسخر لنا الريح لنركبها إلى الشام فى ميرتنا وحوائجنا، ونرجع من يومنا، فقد شق علينا قطع المسافة البعيدة، كما سخرت لسليمان، ولست بأهون على الله منه إن كنت كما زعمت؟
قال: لا أستطيع.
قالوا: فابعث لنا جدك قصيا أو فلانا وفلانا لنسألهم عن أمرك أحق أم باطل، فإن عيسى كان يحيى الموتى، ولست بأهون على الله منه إن كنت رسوله؟
قال: لا أستطيع ذلك فنزل: { ولَو أنَّ قُرآناً... }"
.