التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلاۤ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ
٣٦
-الرعد

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ والَّذين آتيناهُم الكِتابَ } التوراة، والمراد مؤمنو اليهود، كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، وقيل: الكتاب الجنس الصادق بكتابين وهما التوراة والإنجيل، فالمراد مؤمنو اليهود مثل من ذكر، ومؤمنوا النصارى وهم ثمانون رجلا، أربعون من نجران، وثمانية من اليمن، واثنان وثلاثون من الحبشة، وقيل: الاثنان والثلاثون من عامة النصارى، وقيل: أربعون من نجران، وثلاثون من الحبشة، وعشرة من سواهم.
{ يفْرحُون بما أنزِلَ إليكَ } مما وافق كتابهم أو خالفه، أو أو يصبرون على ما خالف كتابهم ويصدقون به، ويفرحون فرحا بما وافقه، وقيل: كان ذكر الرحمن فى القرآن قليلا حين أسلم عبد الله ابن سلام، وكعب ونحوهما، فساءهم ذلك وكان كثيرا فى التوراة، ولما كرر الله تعالى ذكر الرحمن فى القرآن فرحوا، وفى ذلك مدح لهم كما قال عياض، وذلك كقول ابن زيد، والحسن، وقتادة، وقيل: المراد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والكتاب القرآن، كانوا يفرحون بما يتجدد من الأحكام والتوحيد والنبوة والبعث، يزدادون يقينا.
{ ومِنَ الأحْزابِ } الذين تحزبوا على عداوتك من اليهود، ككعب ابن الأشرف، وحيى بن أخطب وأصحابهما، ومن النصارى كالسيد والعاقب رئيسى نجران وأشياعهما، ومن مشركى العرب ككفار قريش { مَنْ يُنكر بعْضَه } وهو ما يخالف شرائعهم وما يخالف ما حرفوه منها، ولو وافق شرائعهم، وما يخالف ما يعرفونه كإنكار قريش اسم الرحمن، ولم ينكروا البعض الآخر، وهو ما وافقهم، وما عرفوه كاسم الله، وإثبات الله وقدرته، وخلق السماوات والأرض.
{ قلْ } للمنكرين مجيبا على إنكارهم { إنمَّا أمِرتُ } فيما أنزل إلىَّ { أنْ أعبُد } أى بأن أعبد { اللّهَ ولا أشْركَ بهِ } شيئا، ولا سبيل لكم إلى إنكار ما أنزل مما خالف شرائعكم، إذ ليس ببدع تخالف الشرائع فى الأحكام، وإنى ولو دعوت بأسماء فهى كلها لله لا أسماء لشريك له، إذ لا شريك له، فكما أن الله اسمه، كذلك الرحمن اسمه، فمن ادعى منكم أنه لا يعرفه اسما لله، أو أنه اسم لغيره تعالى، فليس مصيبا، وقرأ أبو خليد، عن نافع برفع أشرك على الاستئناف أو الحال، والمشهور عن نافع النصب.
{ إليهِ } لا إلى غيره { أدعُو } كم وكل أحد { وإليهِ } لا إلى غيره { مآبِ } مرجعى، أى رجوعى للجزاء، وكذا ترجعون، وإنما الذى تتفق فيه الشرائع هو الذى ذكرته لكم من توحيد الله، والدعاء إليه، والبعث للجزاء ونحو ذلك، كمكارم الأخلاق، وأما ما أنكرتم مخالفته فهما، جاز تخالف الشرائع فيه.