التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٤١
-الرعد

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ألمَ يَروْا أنَّا نأتى } نقصد بالقدرة والأمر، أو يأتى أمرنا { الأرْض } أرض الكفرة المجاورة لهم { ننقُصهُا } بدل اشتمال من نأتى وقرئ بفتح النون الثانية، وكسر القاف مشددة { مِنْ أطْرافها } بفتحها للمسلمين بالقتال والسبى والصلح، فتزيد فى أرض الإسلام، وتنقص من أرض الكفر، فما يؤمنهم أن نمكنك منهم ونزيد أرضهم إلى أرض المسلمين، وهذا قول ابن عباس، والحسن، والكلبى، وقتادة، على أن الآية مدنية.
وقيل: الأرض أرض الكفرة مطلقا، والآية مكية، شملت الفتح فتح مكة وغيره من الفتوحات، وقيل: المراد بنقص الأرض إخراب ديار الكفرة على يد النبى صلى الله عليه وسلم ومن معه، وفى ذلك تنفيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، وتطييب لأنفسهم، وتبشير بطلائع الظفر، كما أن فى قوله:
{ وإما نرينك بعض الذى } الخ تطييبا لنفوسهم بالانتقام من الكفرة إما عاجلا وإما آجلا.
وقيل: المراد بنقص الأرض تخريب أرض الأمم السابقة لإهلاك أهلها الكفرة، كأنه قيل: أفلا تخافون أن نفعل بكم مثل ذلك من إخراب بعد عمارة، وذلك بعد عز، وموت بعد حياة.
وقال عكرمة، ومجاهد: نقصها موت أهلها وتغيير أحوالهم إلى ذل وخراب، ونقص الثمرات والبركة، أفلا يتعظون بذلك.
وعن ابن عباس، وعطاء وغيرهما: نقصها من أطرافها إماتة علمائها وفقهائها وخيار أهلها، واختاره أبو عمرو بن عبد البر، وعليه فالمراد بالأطراف الإشراف كما أثبت الجوهرى عن بعض أن الأطراف يرد بمعنى الإشراف.
قلت: هذا القول ضعيف من حيث ضعف كون الأطراف بمعنى الإشراف، ومن حيث بُعد ذلك المعنى عن المقام، لأنهم لم يشاهدوا موت الفقهاء والعلماء والأخيار، ولو ثبت فى الحديث أن الله يقبض العلم بقبض العلماء، فيرأس على الناس جهال يَضِلون ويُضِلون.
وثبت عن ابن مسعود: أن موت العالم ثلمة لا تسد ما اختلف الليل والنهار.
وثبت عن سلمان: لا يزال الناس بخير ما بقى الأول حتى تعلم الآخر، وإذا ذهب الأول قبل تعلم الأخير هلك الناس، لأن ذلك لا يصح تفسير الآية، كما لا يصح تفسيراً لها، وقول بعض إنما ينقص من الأرض يزداد فى الشام، وما ينقص من الشام يزداد فى فلسطين.
{ والله يحْكُم } فى خلقه بما يشاء { لا مُعقِّب } لا راد { لحُكمه } فقد حكم للإسلام للإقبال، وعلى الكفر بالإدبار حكما لا يأتى أحد عقبه بالإبطال والتغيير يقال: عقبت الشئ، أى أتيت عقبه بالإبطال أو غيره، ولذا يقال لصاحب الحق، معقب، لأنه يقفو غريمه بطلب حقه، والجملة حال من المستتر فى يحكم، والمعنى يحكم نافذ حكمه.
{ وهُو سَريعُ الحِسابِ } أى سريع الجزاء بعقاب الكفرة، وإثابة المؤمنين، أو قرب وقت حسابه يعذبهم عما قليل فى الآخرة بعد ما عذبهم فى الدنيا بالقتل والإخراج من البلدان.