التفاسير

< >
عرض

قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى قَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
١٠
-إبراهيم

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قَالَتْ } للأُمم، { رُسُلُهُمْ } رادين عليهم فى قولهم إِنَّا لفى شك { أفِى اللهِ } أى أفى أمر الله الذى أرسلنا به أو فى وحدانيته بالأُلوهية أو فى وجود الله إِن أنكروا وجوده والظاهر أنهم لم ينكروه جميعاً. { شَكٌّ } مع ظهور الأَدلة التى منها خلق السماوات والأَرض كما قال { فَاطِرِ } خالق. { السَّمَٰوَاتِ والأَرْضِ } والاستفهام إنكارى وفى الله خبر وشك مبتدأ وشك فاعل أفى الله لاعتماده على الاستفهام وإِنما قدم وأُدخلت عليه الهمزة لأَن الكلام فى المشكوك فيه لا فى الشك، أى إِنما ندعوكم إِلى الله وهو لا يحتمل الشك لظهور الأَدلة وكثرتها، وفاطر صفة لله ولو كان وصفاً لأَنه للماضى فإِضافته محضة أو بدل والأَول أولى لأَنه الأَصل فى البدل إذ لا يكون وصفاً وجملة. { يَدْعُوكُمْ } حال مِن مجرور فى أو مستأنف والمعنى يدعوكم إلى الإِيمان. { لِيَغْفِرَ لَكُم } بالامتثال { مِن ذُنُوبِكُمْ } أى شيئاً من ذنوبكم وهو الذنوب السابقة على الإِسلام سواء كانت فيما بينهم وبين الله أو فيما بينهم وبين العباد وذلك غفران مقطوع به للإِيمان ولو عصوه بعد بغير الشرك وأما المعصية بعد الإِيمان فلا تغفر بلا رد المظالم والتخلص، فلم يذكر غفرانها لهم وإِن رجعوا إِلى الشرك لم تغفر لهم الذنوب السابقة أيضاً وقيل يغفر لكم شيئاً من ذنوبكم وهى الذنوب التى فيما بينهم وبين الله بناء على أن الإِسلام لا يكون جباً لما قبله من تبعات العباد وهو ضعيف، ومن أجاز زيادة (من) فى الإِيجاب والمعرفة جعل (من) صلة للتأكيد فيكون المعنى يغفر لكم ذنوبكم كلها، ويجوز أن تكون اللام بمعنى إِلى فيكون المعنى يدعوكم إِلى غفران الذنوب. ومن تتبع القرآن وجد لفظة (من) تذكر فى غفران من أسلم من الشرك ولا تذكر فى غفران من لم يكن فى الشرك ولا فى غفران ذنب صدر بعد الإِسلام من الشرك للتفرقة بين الخطابين ولئلا يستوى الفريقان فى الميعاد، وخص من أسلم من الشرك لأَن الغفران الذى أريد التصريح لهم به على سبيل القطع إِنما هو غفران الذنوب التى سبقت الإِسلام وهو مترتب على مجرد الإِيمان وهى بعض ذنوبهم فى الجملة على تقدير أذنابهم بعد الإِسلام وأما ذنوب من لم يكن فى الشرك أو ذنوب الإِنسان بعد الإِسلام فحيثما ذكرت مغفرتها فإِنما هى مقيدة بالطاعة والتخلص من المعاصى وهى بهذا القيد تغفر كلها فلم تناسب من التبعيضية { وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أجَلٍ مُّسَمًّى } وهو آخر أعماركم سالمين من العذاب بخلاف ما أصررتم على الكفر فإِنكم تعذبون ثم تموتون لآخر أعماركم أو تموتون لآخر أعماركم بعذاب كما مات من قبلكم بالطوفان والصيحة ونحوهما أو يجتمع عليكم عذاب قبل الموت وعذاب عنده تموتون به.
{ قَالُوا } أى الأُمم مجيبين لرسلهم { إِنْ } أى ما { أنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } لا فضل لكم علينا تخصون بالنبوة والرسالة لأجله ولو شاء الله أن يبعث إلى البشر رسلا لبعث من هو أفضل مثل إِنسان يكون جسده فى البهاء والجمال والغلظ خارجاً عن العادة فى الأَجساد مثل أن يكون عظيماً كالجبل ووجهه يتلألأَ كالقمر أو بعث غير إِنسان كالملك فإِنهم يعتقدون أنهم أفضل من الإِنسان فليس قول الزمخشرى لجعلهم من جنس أفضل منهم وهم الملائكة متعيناً فى البناء على مذهبه فى تفضيل الملك على رسل الله بل محتمل لذلك ومحتمل للبناء على معتقد الكفر كما ذكر الله عز وجل عنهم ولو شاء الله لأَنزل ملائكة { تُرِيدُونَ أن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } إلى الأَصنام بهذه الدعوة إلى عبادة واحد، { فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ } حجة { مُّبِينٍ } واضح أو موضح لدعواكم أو يدل على فضلكم ومزيتكم علينا ومرادهم التعنت باقتراح آية غير الآيات التى جاءت بها الرسل.