التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ
٢٤
تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
٢٥
-إبراهيم

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أَلَمْ تَرَ } وقرئ بإِسكان الراء وهو ضعيف لأَن جزمه بالحذف لا بالإِسكان ولعله أجرى للوصل مجرى الوقف والمعنى ألم تعلم يا محمد أو يا أيها الإنسان { كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً } كيف وضعه، { كَلِمَةً } بدل من مثلا، { طَيِّبَةً } قال ابن عباس والجمهور هى قول لا إله إلا الله، وقيل لا إِله إلا الله محمد رسول الله، وقيل دعوة الإِسلام والقرآن عموماً، وقيل كل كلمة حسنة وأوامر المعروف أو نهياً عن منكر وتسبيحه كشجرة نعت ثانى لكلمة أو خبر لمحذوف والجملة مستأْنفة أى هى كشجرة ويجوز أن يجعل كلمة مفعولا أولا مؤخراً ومثلا مفعولا ثانياً مقدماً تنزيلاً لضرف منزلة جعل، كما قال ابن مالك إن ضرب فى المثل يتعدى لاثنين ويجوز كون كلمة مفعولا لمحذوف وكشجرة مفعولا ثانيا أى جعل كلمة طيبة { كَشَجَرَةٍ } الخ، فيكون ذلك تفسيراً لضرب الله مثلا كقولك اكرم الله جل جلاله فلاناً أعطاه المال وعلمه العلم ويدل له قراءة بعضهم برفع كلمة طيبة فيكون كشجرة خبراً لكلمة، { طَيِّبَةٍ } هى النخلة أخرج الترمذى موقوفاً مرفوعاً وصحح الموقف والنسائى والحاكم وابن حبان وصححه وغيرهم عن أنس بن مالك عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "أن الشجرة الطيبة هي النخلة" وكذا أخرج أحمد وابن مردويه بسند جيد عن ابن عمر عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ "أنها لا ينقص ورقها وأنها النخلة" وكذا قال ابن مسعود ومجاهد وعكرمة والضحاك وذكروا عن ابن عمرانه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "إِن من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المؤمن وأى شجرة هى؟ فوقع الناس فى شجر البوادى فوقع فى نفسى أنها النخلة، وكنت غلاماً أصغر القوم نحن عشرة فسكتنا حياء ثم قالوا: حدثنا يا رسول الله ما هى؟ قال: هى النخلة" . وفى رواية لما قال: "ما هى. قالوا: الله ورسوله أعلم" . وفى رواية "منعتنى مكانة أبى واستحييت فذكرت ذلك لأَبى بعد ما قمت فقال يا بنى لو كنت قلتها لكانت أحب إلىَ من حمر النعم" ، وفى رواية "رأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم ولما لم يقولوا شيئاً، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهى النخلة" ، وعن ابن عباس شجرة فى الجنة، وعنه أنها المؤمن، وقيل كل شجرة مثمرة طيبة الثمار كالنخلة وشجر التين والعنب والرمان. { أصْلُهَا ثَابِتٌ } راسخ فى الأرض بعروقه، كذلك الكلمة الطيبة راسخة فى قلب المؤمن وقرأ أنس بن مالك كشجرة طيبة ثابت أصلها بتقديم ثابت وجره على أنه نعت ورفع أصل على الفاعلية وقرأ الجمهور أقواى وأن المسند لم يعرف به صفة فى اللفظ لغير المسند إِليه بخلافه على قراءة أنس وكلتاهما بليغة لإفادتها بعض المعنى المراد من التشبيه فإن وجه الشبه الرسوخ كما علمت وان النخلة شبيهة بالإِنسان من حيث أنها خلقت من فضلة طينة آدم وأنها تموت بقطع رأسها بخلاف سائر الشجر وإِنها لا تحمل حتى تلقح بطلع الذكر وإن الكلمة الطيبة ترفع عمل المؤمن إلى السماء وترفع فى نفسها أيضاً كما أن فرع النخلة مرتفع فى جهة السماء كما قال الله جل جلاله { وَفَرْعُهَا } أغصانها والإِضافة للجنس بالفرع بمعنى الفروع واعتبرها فرعاً واحداً من حيث هو ناشىء عن أصل واحد، { فِى السَّمَاءِ } أى عال فى جهة السماء وأن ثواب ما يتولد عن تلك الكلمة الطيبة من الأَعمال الصالحات يوجد فى كل حين كلما عمل عملا صالحاً ثبت له ثوابه كما أن النخلة يوجد أُكلها كل حين كما قال جلا جلاله { تُؤْتِى أُكُلَهَا } أى تعطى صاحبها مأْكولها وهو ثمارها، { كُلَّ حِينٍ } كل وقت لأَنه يؤكل جمراً وطلعاً وبلحاً وبسراً ورطباً وتمراً ويدخر إلى حين الثمرة الأُخرى، وكما قال الربيع ابن أنس الحين هنا بكرة وعشى لأَن التمرة تؤكل بكرة وعشياً فى أوانه وغير أوانه، وقال مجاهد وعكرمة الحين هنا سنة لأَنها تثمر فى كل سنة فالسنة فى حقها وكل وقت فى حق العمل الصالح سواء فكأَنه قيل كل حين وقته الله لإِثمارها ومثل ذلك يقال فى قول سعيد بن جبير وقتادة والحسن: الحين ها هنا ستة أشهر من وقت طلعها إلى حين صرامها والروايتان عن ابن عباس رضى الله عنهما وفى قول على ثمانية أشهر وهى مدة حملها ظاهراً وباطناً وفى بعض أربعة من حين ظهور حملها إلى إِدراكها، وفى قول سعيد بن المسيب شهران من وقت يؤكل منها إِلى صرامها وأن الشجرة مطلقاً لا تسمى شجرة إِلا بعرق راسخ وأصل قائم وفرع عال كذلك الإيمان لا يتم إِلا بتصديق وقول وعمل، وعن ابن عمر وعنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ "مثل المؤمن كشجرة لا يسقط لها أنملة أتدرون ما هى؟ قالوا: لا. قال: هى النخلة لا يسقط لها أنملة كما لا تسقط لمؤمن دعوة" فوجه الشبة غير ما ذكر قبل هذا وقيل هو أن أصل دين المسلم ثابت وإِنما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأَرواح مُسطاب وأنه لا يزال مستوراً بدينه ينتفع بكل ما يصدر منه حياً وميتاً قيل وإِما كون الشبه موتها بقطع رأسها وموتها بحرقها وأنها لا تحمل حتى تلقح وأن رائحة طلعها كرائحة المنى وأنها تعشق وإِنها تشرب من أعلاها فضعيف والضعف منه ما قيل أنه هو خلقها من فضله طين آدم عليه السلام فإِن الحديث فى ذلك لم يثبت. وفى رواية عن ابن عمران من الشجر لما بركته كبركة المسلم وذلك أنها تؤكل من حين طلع إِلى أن تيبس وينتفع بأجزائها كالنوى فى العلف والليف فى الحبال والجمار فى الأكل { بِإِذْنِ رَبِّهَا } بإِرادته وتكوينه { وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتذَكَّرُونَ } يتعظون فيؤمنون لأَن ضرب المثل زيادة فى الإِفهام وتصوير للمعانى وإِدناء لها من الأَشياء المحسة فتدرك كما يدرك ما تحسه العين واليد.