التفاسير

< >
عرض

رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ
٣٨
-إبراهيم

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى } أى ما نخفى بعضنا عن بعض أو ما أضمرناه فى قلوبنا. { وَمَا نُعْلِنُ } ما يظهر بعضنا لبعض أو ما ننطق به فأَنت عالم بحوائجنا ومصالحنا وأرحم بنا منا وإِنما ندعوك إِظهارا للعبودية والعجز واستعجالا لنيل ما عندك وولها إِلى رحمتك، كما روى أن بعضاً رفع حاجته إِلى كريم فأَبطأَ عليه قضاءها، فقال له تلويحاً بقضائها: مثلك لا يذكر استقصاراً ولا توهما للغفلة عن حوائج السائلين ولكن ذا الحاجة لا تدعه حاجته إِلا أن يتكلم فيها، وقيل ما نخفى من الحزن لما وقع بينى وبين هاجر مع إِسماعيل من الفرقة وما نعلن من الدعاء والبكاء، قالت له هاجر عند الوداع إِلى من تكلنا. قال: إلى الله أكلكم، قالت: آلله أمر بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا تخشى تركنا إِلى كاف، وذكروا عن ابن عباس أن إِبراهيم جاء بهاجر وإِسماعيل حتى وضعهما بمكة ثم رجع فنادته يا إِبراهيم أسأَلك: فالتفت. فقالت: من أمرك أن تضعنى وابنى بأَرض ليس فيها زرع ولا ضرع ولا أنيس. قال: ربى. قالت إِذن لا يضيعنى، ولما ولى دعا بذلك الدعاء كله، قال فى عرائس القرآن: لما نجى الله تعالى خليله إبراهيم من نار نمرود وآمن به من آمن خرج مع لوط وتزوج سارة بنت عمه ونزل بحران فمكث ما شاء الله ثم هاجر إلى مصر وكانت سارة أحسن النساء وكانت لا تعصى إبراهيم فى شىء وبذلك أكرمها الله تعالى فأَتى رجل فرعون مصر وقال إن هاهنا رجلا معه امرأة من أحسن النساء ووصف حسنها وجمالها، فأَرسل الجبار إِلى إبراهيم رسولا، فقال له ما هذه المرأة منك. قال: هى أختى، قيل خاف أن يقتله إِن قال هى امرأتى. فقال له: زينها وأرسلها معى حتى ينظر إِليها الملك فمضى إِليها إِبراهيم فقال: إن هذا الجبار قد سأَلنى عنك فأخبرته أنك أُختى فلا تكذبينى عنده، فإِنك أُختى فى كتاب الله فإِنه ليس فى هذه الأَرض مسلم غيرى وغيرك ثم أقبلت سارة إِلى الجبار، وقام إبراهيم يصلى فلما دخلت عليه ورآها هوى بيده إِليها، فيبست إِلى صدره فعظم أمره وقال اسئلى إِلهك أن يطلق يدى فوالله لا أُوذيك. فقالت: اللهم إِن كان صادقاً فأطلق يده، قيل فعل ذلك ثلاث مرات كلما أهوى بيده يبست فردها إِلى إِبراهيم فلما أحس بها انفلت من صلاته قال: ما الخبر. قالت: كفى الله كيد الفاجر ووهب لى هاجر، وروى أنه رفع الحجاب بين إِبراهيم وسارة ينظر إِليها من وقت خروجها إلى رجوعها إليه كرامة لها وتطييباً لقلبه وكانت هاجر ذات هيئة فوهبتها سارة إِبراهيم فقالت إِنى أراها امرأة وضئة فخذها فلعل الله يرزقك منها ولداً وكانت سارة قد منعت الولادة حتى آيست فوقع إِبراهيم على هاجر فولدت له إِسماعيل. قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "إِذا فتحتم مصر فاستوصوا بأَهلها خيراً فإِن لهم ذمة ورحماً" . قال ابن إسحاق: سأَلت الزهرى ما الرحم الذى ذكره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: كانت هاجر أُم إِسماعيل منهم ثم خرج من مصر ونزل السبع من فلسطين واحتفر نهراً واتخذ مسجداً وكان ماء العين ظاهراً على وجه الأَرض وكانت غنمه تردها وأقام مدة، ثم أذاه أهل تلك الأَرض فخرج حتى نزل بناحية من أرض فلسطين بين الرملة وايلة ببلدة يقال بها بضا فنضب ماء العين لما خرج فندم أهل السبع على ما صنعوه به، وقالوا أخرجنا من بين أظهرنا رجلا صالحاً فاتبعوه حتى أدركوه فسأَلوه أن يرجع إِليهم، فقال ما أنا براجع إِلى بلد أخرجت منها. فقالوا: إن الماء الذى كنت تشرب منه ونشرب معك قد نضب، فأَعطاهم سبع أعنز من غنمه وقال: اذهبوا بها معكم فإِنكم إِذا أوردتموها إِلى ظهر الماء جرى حتى يكون على وجه الأَرض كما كان ولا يقربه امرأة حائض، ففعلوا فكانوا يشربون منه حتى غرقت منه حائض فنضب، وأقام إبراهيم يضيف من يأْتِيه وقد وسع الله الرحمن الرحيم عليه فى الرزق والخدم إِلى أن أمر الله جل جلاله الملائكة المرسلين إِلى إهلاك قوم لوط أن يبشروه بإِسحاق ومن ورائه يعقوب. قال السدى وابن بشار حملت سارة بإِسحاق وقد حملت هاجر بإِسماعيل فوضعتا معاً وشب الغلامان فبينما هما يتناضلان ذات يوم وقد كان إِبراهيم يسابق بينهما فسبق إِسماعيل فأَخذه واجلسه فى حجره وأجلس إِسحاق إِلى جنبه وسارة تنظر إِليه فغضبت وقالت: عمدت إِلى ابن الأمة فأَجلسته فى حجرك وعمدت إلى بنى فأجلسته إِلى جنبك وقد جعلت لى أن لا تغيرنى وأخذها ما يأخذ النساء من الغيرة، فحلفت لتقطعن منها قطعة ولتغيرن خلقتها ثم ثاب إليها عقلها فبقيت متحيرة فى ذلك، فقال لها إبراهيم: اخفضيها أى اختنيها واثقبى أذنيها، ففعلت فكان الخفاض وثقب الأُذنين سنة فى النساء ثم إِن إسماعيل وإِسحاق اقتتلا ذات يوم كما يفعل الصبيان فغضبت سارة على هاجر، وقالت: لا تساكنينى فى بلد واحد وطلبت من إبراهيم أن يعزلها عنها فأَوحى الله إِلى إِبراهيم أن يأْتى بهاجر وابنها إِلى مكة فذهب بهما حتى قدم مكة وهى إِذ ذاك عضاة وسلم وسمر وحواليها خارج مكة ناس يقال لهم العماليق وموضع البيت يومئذ ربوة حمرا، فقال إِبراهيم لجبريل: ها هنا أُمرت أن أضعها. قال: نعم. فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه وأمر هاجر أن تتخذ عريشاً، ثم قال: ربنا إنى أسكنت من ذريتى.. إلخ. ثم انصرف فاتبعته هاجر فقالت: إلى من تكلنى فجعل لا يرد عليها شيئاً ولا يلتفت، فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا، ثم انصرفت راجعة وكانت مع هاجر شنة فيها ماء فنفد الماء وانقطع لبنها فعطشت وعطش الصبى فنظرت أى الجبال أدنى إِليها فإِذا هو الصفا فصعدت عليه فتسمعت هل تسمع صوتاً أو ترى شخصاً فلم تسمع شيئاً ولم تر أحداً ثم سمعت أصوات السباع فى الوادى نحو إِسماعيل فأقبلت مسرعة ثم سمعت صوتاً نحو المروة فسعت وما تريد السعى كالإِنسان المجهود فهى أول من سعى بين الصفا والمروة ثم صعدت المروة فسمعت صوتاً فقالت كالإِنسان الذى يكذب سمعه صه حتى استيقنت وجعلت تدعو أسمع أيل ومعنى أيل الله، وقالت قد أسمعتنى كلامك فأغثنى فقد هلكت، وهلك من معى، فإِذا هى بجبريل عليه السلام، فقال لها: من أنت. فقالت: سرية إبراهيم عليه السلام، تركنى وابنى ها هنا، قال: إِلى من وكلكما. قالت: إِلى الله تعالى. قال: قد وكلكما إِلى كف ثم جاء بها وقد نفد طعامها وشرابها حتى انتهى بها إِلى موضع زمزم فضرب بقدمه الأَرض فصارت عيناً فلذلك يقال لزمزم ركضة جبريل، فلما نبع الماء أخذت هاجر شنة وجعلت تستقى فيها لتدخره، فقال جبريل عليه السلام: انها روى وجعلت حولها جسراً، قال رسول الله ـ صلى الله عيه وسلم ـ "لولا أنها أعجلت لكانت زمزم عيناً معيناً" وقال لها جبريل: لا تخافى على هذه العين فإِنها عين يشرب منها ضيفان الله، وقال لها: إِن أبا هذا الغلام شيخى ويبنى لله بيتاً هذا موضعه ومرت رفقة من جرهم يريدون الشام فرأوا الطير على الجبل، فقالوا: لا يكون الطير حائماً إِلا على الماء، فأَتوا فقالوا لهاجر: إن شئت كنا عندك، وآنسناك والماء ماؤك، فأَذنت لهم فنزلوا معها فهم أول سكان مكة ولذلك كانت العرب تقول فى تلبيتها اللهم إِن جرهم عبادك والناس طرف وبهم قديماً عمرت بلادك فكانوا هنالك حتى شب إِسماعيل وماتت هاجر ودفنت فى الحجر وماتت بعدها سارة بالشام ولها مائة وتسع وعشرون سنة فى جيرون من أرض كنعان ودفنت فى مزرعة اشتراها إِبراهيم عليه السلام من الكنعانيين.
تسميه قطور بنت يقطر وولدت له يفتان وزمران ومداين وشنق وشرخ ومدين ثم تزوج امرأة تسمى عجوز بنت أهيب من جرهم وولدت له كيسان وشورخ ولهيم ولوطان ويافس وجملة أولاده مع اسماعيل وإٍسحاق ثلاثة عشر ذكراً أكبرهم إِسماعيل وأنزله بمكة وأنزل اسحاق بالشام وفرق سائر أولاده، فقالوا: مالك فرقتنا بأَرض الغربة. فقال: بذلك أُمرت. وعلمهم أسماء الله يستسقون بها وينتصرون، ثم تزوج إِسماعيل امرأة من جرهم وأخذ لسانهم فتعرب بهم ثم إِن إِبراهيم استأَذن سارة أن يزور هاجر وابنها فأذنت له وشرطت أن لا ينزل فقدم مكة وقد ماتت هاجر، ويقال: إِنه قدمها على البراق وذهب إلى بيت إِسماعيل فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: ليس هنا ذهب يتصيد، وكان إِسماعيل يخرج من الحرم يتصيد ثم يرجع وكان مولعاً بالصيد وكان مخصوصاً بالقنص والفروسية والرمى والصرع، فقال لها إبراهيم: هل عندك ضيافة، وهل أجد عندك طعاماً أو شراباً؟ قالت: ليس عندى شىء. قال: فإِذا جاء زوجك فأقرئيه منى السلام وقولى له يغير عتبة بابه، فلما قدم إِسماعيل أخبرته بما قاله إِبراهيم فطلقها وتزوج أُخرى، فلبث إِبراهيم ما شاء الله أن يلبث ثم استأذن سارة أن يزور إِسماعيل فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل فجاء إِبراهيم حتى انتهى إِلى بيت إِسماعيل، فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: ذهب يتصيد وهو يجىء إِن شاء الله، أنزل رحمك الله، قال لها: هل عندك ضيافة؟ قالت: نعم. فجاءت بالتين واللحم فدعا لهما بالبركة ولو جاءت يومئذ بخبز أو بر أو شعير أو تمر لكانت أكثر الأَرض براً وشعيراً أو تمراً، فقالت: انزل حتى أغسل رأسك فلم ينزل فجاءت بالمقام فوضعته عند شقه الأَيمن فوضع قدمه عليه فبقى أثر قدمه عليه فلما فرغ قال لها: إِذا جاء زوجك فأقرئيه منى السلام وقولى له قد استقامت عتبة بابك، فلما جاء إسماعيل عليه السلام وجد ريح أبيه فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟ قالت: نعم. جاء شيخ أحسن الناس وجهاً وأطيبهم ريحاً فقال لى كذا وقلت له كذا وغسلت رأسه وهذا موضع قدميه على المقام، فقال لها: ذلك أبى إبراهيم. قال أنس: رأيت فى المقام أثر أصابع إِبراهيم وعقبه واخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم وإِنما عنى إِبراهيم بتغيير العتبة وإثباتها تطليق الزوجة وإِمساكها وكان جائزا أن يأْمره بالتطليق، قال على بن أبى طالب، قال عبد المطلب: بين أنا قائم فى الحجر إذ أتانى آت فقال: احفر طيبة. قلت: فما طيبة. قال: فذهب عنى ولم يجئنى فلما كانت الليلة الثانية جاءنى فقال احفر برة، قال: فما برة، فذهب عنى فلما كان الغد رجعت إلى مضجعى فنمت فقال: احفر زمزم. قلت: وما زمزم، وكان قد درس وغر ماؤها فقال: بئر تسقى الحجيج عند منحر قريش عند نقرات الغراب الأَعصم وقرية النمل فلما بَيَّنَ له قام فقصد الموضع فوجد غراباً ينقر وبيت النمل فحفر بينهما بمعول ومعه ابنه الحارث ليس له غيره فقالت قريش: يا عبد المطلب إِنها من آبار إسماعيل أبينا وإِن لنا فيها حقاً فأشركنا فيها، فقال: ما أنا بفاعل إِن هذا شىء خصصت به من دونكم وأعطيته من بينكم، قالوا له: فأنصفنا فإِنا غير تاركيك حتى نخاصمك، قال: فاجعلوا بينى وبينكم من شئتم. قالوا: كاهنة بنى سعد بن هذيل. قال: نعم. وكانت من أشرف بيت فى الشام فركع عبد المطلب ومعه نفر من بنى أمية بن عبد مناف ونفر من كل قبيلة من قريش والأَرض مفاوز ولما كانوا ببعض المفاوز نفد ما كان معه هو وأصحابه من الماء حتى أيقنوا بالهلاك فاستقوا ممن معهم من قبائل قريش فأَتوا عليهم فقالوا: إِنا فى مفازة وإِنا لنخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم قال لأَصحابه: ماذا ترون؟ قالوا: إِنا لرأيك تبع فمرنا بما شئت. قال: إِنى أرى أن يحفر كل رجل منكم لنفسه حفرة بقدر ما يجد من القوة فكل من مات منا دفناه فى حفرته فاحتفروا وجلسوا ينتظرون الموت، ثم قال: هلا إِذا جلسنا منتظرين الموت نضرب يمينا وشمالا ونبغى لأَنفسنا ماء فعسى الله أن يرزقنا ماء فارتحل هو ومن معه وقريش ينظرون إِليهم وما هم فاعلون فتقدم عبد المطلب إِلى راحلته فركبها فلما ركبها انبعثت به فانفجرت عين ماء من تحت أخفافها فكبر عبد المطلب وأصحابه ثم نزل وشرب وشرب أصحابه حتى رووا وملأوا فسقيتهم، ثم قالوا يا عبد المطلب إن الله قد فضلك علينا والله لا نخاصمك أبداً فى زمزم إِن الذى سقاك هذا الماء فى هذه الفلاة هو الذى سقاك زمزم فارجع فرجع ورجعوا وخلوا بينه وبين زمزم، وروى أنه قيل لعبد المطلب يا أيها المذبح احفر زمزم إنك إن حفرتها لم تندم وهى تراث من أبيك الأَعظم وتسقى الحجيج، فقال: أى موضع زمزم. قيل له: عند قرية النمل حيث ينقر الغراب الأَعصم فغدا بالمعول ومعه ابنه الحارث، فقالت قريش: والله لا نتركك تحفرها ومنحرنا وأوثاننا عندها وحسدوه وكانوا قد أخبروا أن جرهما لما سكنوا مكة أودعوا فى زمزم أموالا وأسلحة للمصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخبروا أن الله تعالى باعث فى تلك القرية نبياً صفته كذا، ثم قال بعضهم لبعض دعوه يحفر فربما يخطىء الموضع فحفر غير بعيد فظهرت العلامة فكبروا وعرفوا أنه لم يخطىء فتمادى حتى بلغ تمثالين من ذهب وهما غزالان دفنتهما جرهم ثم وجد سيوفاً ودروعاً فقالت له قريش يا عبد المطلب إنا معك فى هذا شركاء. قال: لا. ولكن نضرب بالقداح قالوا: كيف تصنع. قال: نجعل للكعبة قدحين ولى قدحين فمن خرجت قدحاه على شىء كان له ومن تخلف قدحاه فلا شىء له. قالوا: أنصفت. فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقدحين أسودين لعبد المطلب وقدحين أبيضين لقريش وضربوا القِدَاح عند صنم يقال له هبل، وقام عبد المطلب يدعو فخرج القدحان الأَصفران على الغزالين للكعبة وخرج الأسودان على السيوف والدروع لعبد المطلب وتخلف قدحا قريش فعلق عبد المطلب السيوف والدروع بباب الكعبة وكانت الرئاسة والتقدمة لعبد المطلب قبل حفر زمزم ولما حفرها وخرج منها ماء ازداد بذلك فى قريش عظمة وجاهاً ومنزلة وعاف الحجيج المياة التى كانت بمكة ونواحيها وأقبلوا على زمزم العذوبة ماؤها ولكونها من أثر إسماعيل فافتخرت بذلك بنو عبد مناف على قريش وسائر العرب. انتهى كلام عرائس القرآن.
وفى رواية أنه بلغ إبراهيم من الشام وإلى مكة راكبا هو وابنه إِسماعيل وهاجر فى يوم واحد وركب منصرفا وتركهما من يومه وترك عندها جواب تمر وسقاء ماء ولما كان عند الثنية كر راجعاً حيث لا يريانه، استقبل موضع البيت ودعا بذلك الدعاء إلى قوله يشكرون. وعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
"ماء زمزم لما شرب له" ، ذكره ابن العربى قال: ولقد كنت مقيماً بمكة سنة سبع وثمانين وأربعمائة وأكثرت شرب ماءه ناوياً به العلم والإِيمان ففتح لى فى ذلك ونسيت أن أنويه للعمل مع ذلك. ا.هـ. وذكروا أن أول ما اتخذت النساء المنطقة من قيل أُم إسماعيل لتعفى أثرها على سارة وأنها جعلت تشرب من السقاء وترضع صبيها حتى نفد فعطشت وعطش وجعلت تنظر إليه يتلوى فانطلقت كراهة أن تنظر إِليه وابتغاء الماء فوجدت الصفا أقرب جبل يليها فقامت عليه واستقبلت الوادى تنظر أحداً فلم تر فهبطت حتى بلغت الوادى فرفعت طرف درعها ثم سعت سعى الإِنسان المجهود حتى جاوزت الوادى ثم أتت المروة فقامت عليها فلم تر أحدا فعلت ذلك سبعاً وإِن موضع البيت كان مرتفعاً تأْتيه السيول فتأْخذ عن يمينه وعن شماله وأن جماعة من جرهم أقبلت من طريق كدى ونزلوا أسفل مكة وقصدوا الموضع الذى هى فيه لرؤيتهم الطير حائماً عليه قائلين إِن الطير إِنما يحوم على الماء بعد ما أرسلوا رجلا أو رجلين فرجع أو رجعا إِليهم بخبر الماء وقالوا: تأْذنين أن ننزل عندك. قالت: نعم، ولكن لا حق لكم فى الماء، قالوا: نعم. وشب فيهم إِسماعيل عليه السلام وكان أنفسهم ولما أدرك زوجوه بامرأة منهم، وروى أنهم قالوا: أشركينا فى مائك نشركك فى ألباننا، ففعلت. وروى أن الماء نبع من تحت قدم إسماعيل لما جعل يبكى ويحكها بالأَرض كالصبيان. { وَمَا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْ شَىْءٍ فِى الأَرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاءِ } هذا من كلام الله سبحانه وتعالى تصديق لإِبراهيم عند الأَكثر، وقيل من كلام إِبراهيم عليه السلام وإِنما كان لا يخفى شىء على الله لأَنه عالم بالذات فاستوى فى علمه كل شىء ومن صلة التأكيد لاستغراق المستفاد من النكرة فى سياق النفى وقيل من هو المقيد للاستغراق.