التفاسير

< >
عرض

رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ
٢
-الحجر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ رُّبَمَا } وقرأ غير نافع وعاصم بتشديد الباء وقرئ ربما بفتح الراء والتخفيف وبفتحها والتشديد. وذكر ابن هشام فى رب ست عشرة لغة ضم الراء وفتحها وكلاهما مع التشديد والتخفيف وذلك أربع مع تاء التأْنيث ساكنة أو محركة ومع التجرد فذلك اثنتا عشرة والضم والفتح مع إِسكان الباء وضم الراء والباء مع التشديد والتخفيف فذلك ست عشرة وفيها أكثر من ذلك، وذلك لأَن الراء مثلثة والباء مثلثة وتسكن أيضاً وتزداد التاء تسكن وتثلث وإِذا ضربت ذلك كله بعضا فى بعض بلغت نحو سبعين، ولا وجه للإِطالة فى ذلك وإِنما الوجه بيان ما قرىء به هنا ورب فى ذلك للتكثير لأَن كل كافر يتمنى لو كان مسلماً، والآية مسوقة للتخويف فلا يناسبها التقليل: ذكره ابن هشام وهو وجه صحيح خال عن التكلف وذكر أن الكثير فى رب التكثير وذكر عن ابن درستويه وجماعة أنها أبدا للتكثير. وعن الجمهور أنها أبدا للتقليل وعليه الزجاج وقيل إِن الكثير فيها التقليل واختار ابن مالك أنها للتكثير أكثر وتنفيد التحقيق فى ذلك كله، وقيل هى للتحقيق وأما التكثير والتقليل فمن خارج. وقال الرضى وضعت للتقليل ثم استعملت فى التكثير حتى صارت فيه كالحقيقة وفى التقليل كالمجاز المحتاج لقرينة. وقيل هى فى الآية للتقليل لأَن أهوال القيامة تدهشهم فتقل إِفاقتهم وتمنيهم. وقيل هى فيها للتقليل على معنى قول النصوح ربما تندم إِشارة إِلى أن الحزم البعد عن مظنة الضرر ولو كان الضرر على سبيل الندور أو الشك فكيف الكثير المحقق. فكأَنه قيل لو كانوا يودون الإِسلام مرة واحدة يوم القيامة لوجب أن يسارعوا إِليه اليوم ولو كان ودادهم على شك فكيف وهم يودونه يومئذ فى كل ساعة ولو كانوا فى دهش بلا شك. وما كافة ومعناها التوكيد وهى مهيئة للدخول على الفعل ويجوز أن تكون نكرة مجرورة المحل رب موصوفة بالجملة بعدها واقعة على الوداد أى رب واد { يَوَدُّ } يحب ويتمنى { الَّذِينَ كَفَرُوا } ورابط الصفة محذوف أى رب وداد يوده الذين كفروا وهذه الهاء المقدرة رابطا مفعول مطلق لا مفعول به والمفعول به مذكور بعد وإِن جعلت واقعة على شىء كانت الهاء المقدرة مفعولا به أى رب شىء يوده الذين كفروا، فيكون المفعول به المذكور بعد بدلا منه هذه الهاء المحذوفة أو من ما ولو كان معرفة اغتفارا فى الثوانى لما لا يغتفر فى الأوائل وذلك المفعول هو قوله { لَوْ } مصدرية { كَانُوا مُسْلِمِينَ } فى تأويل المصدر أى ربما يود الذين كفروا كونهم مسلمين وإِذا جعلت ما نكرة موصوفة بالوجهين فهى مبتدأ محذوف الخبر تقديره موجود أو واقع أو نحو ذلك ويجوز كونها نكرة تامة مفعولا ليود فلا يقدر ضمير، وعلى كل حال فلها محلان جر ورفع أو جر ونصب وكونها كافة أولى، والغالب كما قال ابن هشام إِذا كفت بما أن تدخل على فعل ماض لفظا ومعنى وقد تدخل على المستقبل كهذه الآية وقيل هو مؤول بالماضى لتحقق الوقوع فسهل تأْويله بالماضى وهذا الماضى مردود بالتأْويل للاستقبال ولا يخفى ما فيه من التكلف حيث عبر بالمضارع عن الماضى المستعمل فى الاستقبال مع أنه يغنى عن ذلك كله إِبقاء المضارع على حاله من الاستقبال كما استعمل للاستقبال بعدها فى قوله:

"فإِن أهلك فرب فتى سيبكى"

ولا محوج لذلك التكلف إِلا نكتة تنزيل المستقبل منزلة الواقع لتحقق الوقوع وهذه النكتة لا تفى بضعف ذلك التكلف وإِلا تخريج على ما هو الغالب من وقوع الماضى بعدها حتى نزل المستقبل منزلة ما مضى من حيث أنه لا بد واقع ولا حاجة إِلى هذا التخريج لما فيه من التكلف فقد وقع الاستقبال بعدها فى البيت المذكور وفى قول هند زوج أبى سفيان: يا رب قائلة غدا.
وإنما قيل لو كانوا مسلمين بلفظ الغيبة لأَنهم مخبر عنهم ولو روعى ما يعتقدون من التمنى ويقولون لقيل لو كنا مسلمين، وإِن قلت فى أى وقت يتمنون الإِسلام، قلت: يوم القيامة إِذا رأوا المسلمين ناجين من النار فائزين بالجنة، وهذا قول الزجاج أو عند معاينة الموت وهو قول الضحاك أو عند حلول النصر بالمؤمنين فى الدنيا ذكره القاضى، وزعم بعض عن ابن عباس وأبى موسى الأَشعرى وأنس وجابر بن عبد الله وعلى أنه عند خروج الموحدين من النار وأن المشركين يعيرونهم ما أغنى عنكم توحيدكم وأن الله جل جلاله يغضب لهم فيخرجهم بشفاعة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويسمون الجهنميين عند أهل الجنة فيدعون الله فيمحو هذا الاسم عنهم فيسمون عتقاء رب العالمين، ونسب ذلك لمجاهد وعطاء وأبى العالية والنخعى ورووا ذلك حديثاً، قال الشيخ هود ذلك رواية كاذبة مفتراة على الله لا أصل لها فى كتابه.