التفاسير

< >
عرض

وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ
٢٢
-الحجر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ } وقرأ حمزة الريح بالإِفراد على إِرادة الجنس فهى فى المعنى كقراءة الجمهور والموجود فى القرآن جمع الريح حيث الرحمة وإفرادها حيث العذاب ألا ترى إِلى هذه الآية وقوله ويرسل الرياح مبشرات ونحوهما وإلى قوله سبحانه: إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا فأَرسل الريح العقيم ونحو ذلك ولذا قال رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ "جاثيا على ركبتيه إذا هبت ريح اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا" { لَوَاقِحَ } جمع لاقح بمعنى حامل، فهو متعد شبه الريح التى جاءت بخير من إِنشاء سحاب ماطر بنحو الناقة الحامل كما شبه ما ليس كذلك بالعقيم وفى كلام الزجاج إِشارة لذلك ويدل له قوله تعالى { { حتى إِذا أقلت سحابا ثقالا } أى حملت، روى أن اللواقح فى رياح الجنب وأنه ما هبت ريح الجنب إِلا وانبعث عين غدقة، وعن ابن عباس لا تقطر قطرة إِلا بعد أن تعمل الرياح الأَربع فيها فالصبا يهيج السحاب والشمال يجمعه والجنوب تدره والدبور تفرقه وعن بعض يرسل الله جل جلاله الريح المبشرة فتعم الأَرض ثم المثيرة فتثير السحاب ثم المؤلفة فتؤلف السحاب بعضه إِلى بعض فيجعله ركاما ثم اللواقح فتكون ملقحة للسحاب أى محملة له الماء أى تجعل السحاب حاملا للماء وهذا الذى قاله هذا البعض يقضى إِلى أن اللاقح بمعنى ملقح فهو متعد بالنظر إِلى هذا المعنى، والتحقيق فى هذا الوجه أن يقال أن فاعلا هنا للنسب أى ذات لقح بمعنى أن ألقح السحاب أى حمله للماء يكون بها فهو لازم وعلى هذا الوجه يقال شبه الريح بالفحل فكما تحمل الأُنثى بالفحل تحمل السحاب الماء الريح، وعن ابن مسعود يرسل الله الريح لتلقح السحاب فتحمل الماء ثم تمر به فتدره كما تدر اللقحة، وروى ذلك الوجه عن ابن عباس والحسن وقتادة وروى أن الريح تلقح السحاب والشجر، وعن ابن عمر الرياح ثمان أربع رحمة: المرسلات والمبشرات والناشرات والذاريات وأربع عذاب الصرصر والعقيم والعاصف والدبور وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا عصفت الريح قال "اللهم إِنى أسأَلك خيرها وخير ما فيها وخير ما أُرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أُرسلت به" { فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَآءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } جعلناه لكم سقيا وتشربون منه وتسقون به الشجر والحرث والماشية يقال أسقى فلان فلانا عين كذا إِذ جعلها له سقيا أو بمعنى سقيناكموه أى جعلناكم شاربيه { وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } فى العيون والآبار والغدران بل نحن الفاعلون لذلك بعد إِنزاله لكمال قدرتنا وحكمتنا فإِن طبع الماء يقتضى الغور والذهاب فى التراب ومنعه الله من ذلك حتى أنه ليبقى فى الغدران أياما وشهورا أو فى الآبار والعيون سنين أو لستم بخازنين له ثم أنزلتموه حين شئتم بل نحن الخازنون له فى قدرتنا ونرسله متى شئنا.