التفاسير

< >
عرض

أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً
٧٨
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أقِمِ الصَّلاَةَ } أى ائت بالصلاة مستقيمة تامة. { لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } أى زوالها عن وسط السماء وأصل مادة ذلك الانتقال، ومنه الدلك فى الغسل، فإِن الدالك لا تستقر يده فى موضع واحد وقد قيل إِن من الدلك لأَن الناظر إِليها يدلك عينيك ليدفع شعاعها وهكذا ما يتركب من دال ولام كدلج بالجيم أى سار أول الليل أو آخره ودلح بالحاء المهملة أى مشى بالحمل الثقيل رويداً، ودلع أى خرج لسانه من فِيهِ ودلع الشئ خرج ودلق أى مشى رويداً، ودلف الشيخ مشى وقارب الخطو ودله الإِنسان تحير وهدر واللام للتوقيت كقولك كتبته لثلاث ليال مضين، وفى معناه قول بعض أنا بمعنى بعده، وقول بمعنى عند، وذكر ابن هشام أن اللام تكون بمعنى عند ومثل له بقولهم كتبه لخمس خلون، وبمعنى بعد ومثل له بالآية، وقيل بمعنى من الابتدائية أى من وقت دلوك الشمس، وذكر إِلى بعد ذلك أنسب به ولو كانت عند وبعد يصح تغيبتهما بإِلى أيضاً، وذلك إِشارة إِلى صلاة الظهر والعصر فإِن زوال الشمس عن وسط السماء أول الظهر ثم يدخل وقت العصر بعد. { إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } أى ظهور ظلمته أى إِلى وقت غسقه وهو المغرب فحينئذ تصلى صلاة المغرب ثم بعد ذلك تصلى صلاة العشاء فهذه إِشارة إلى صلاة المغرب والعشاء وذلك قول ابن عباس وقيل غسق الليل اشتداد ظلمته وهو قت العشاء فتدخل صلاة العشاء به وصلاة المغرب بكونها بين المبدأ والمنتهى فهى والعصر والظهر داخلات بما قبل الغسق وعلى القولين الآية شاملة للصلوات الخمس إِذ ذكر صلاة الفجر بعد، والمشهور من القولين هو الأَول وتفسير الدلوك بزوال الشمس هو المشهور أيضاً، وهو قول ابن مسعود وابن عمر وجابر ابن عبد الله وعطاء وقتادة ومجاهد والحسن وأكثر التابعين ذكر الحسن أنه - صلى الله عليه وسلم - لما زالت الشمس أمر مناد بالصلاة جامعة فاجتمعوا فصلوا الظهر أربعاً يسر فيهن ثم لما صارت بيضاء نقية أمر كذلك فصلوا العصر أربعا يسر فيهن، ولما غابت أمر كذلك فصلوا المغرب ثلاثاً يعلن فى الركعتين الأوليين ويسر فى الثالثة، ولما غاب الشفق أى الأَحمر أمر كذلك فصلوا أربعاً يعلن فى الركعتين الأوليين، وبات الناس لا يدرون أيزيدون أو لا حتى طلع الفجر، أمر كذلك فصلوا ركعتين يعلن فيهما وفى كل ذلك جبريل عليه السلام يصلى بالنبى - صلى الله عليه وسلم - والنبى - صلى الله عليه وسلم - يصلى بالناس وكلما صلى ذهب، رواه الشيخ هودرحمه الله ، وروى النسائى وبعض أصحابنا عن جابر بن عبد الله أن جبريل أتى النبى - صلى الله عليه وسلم - يعلمه مواقيت الصلاة، فتقدم جبريل ورسول الله خلفه والناس خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى الظهر حين زالت الشمس وأتاه حين كان الظل مثل شخصه فصلوا العصر كذلك ثم حين وجبت الشمس فصلوا المغرب كذلك ثم حين غاب الشفق فصلوا العشاء كذلك، ثم حين انشق الفجر فصلى الغداة كذلك، ثم أتاه فى اليوم الثانى حين كان ظله مثل شخصه فصلوا الظهر كذلك ثم أتاه حين كان ظله مثليه فصلى العصر ثم حين غابت الشمس فصلى المغرب كذلك، ثم حين غاب الشفق فصلى العشاء كذلك ثم امتد الفجر والنجوم بادية مشتبكة فصلى الغداة ثم قال ما بين الصلاتين وقت انتهى باختصار وفى كل ذلك جبريل عليه السلام أما النبى - صلى الله عليه وسلم - والنبى أمام القوم كما أشرت إِليه بقولى كذلك. وفى رواية صلى الظهر حين زالت الشمس وكان الفئ قدر الشراك ثم العصر حين كان قدر الشراك وظل الرجل، ثم المغرب حين غابت ثم العشاء حين غاب الشفق ثم الفجر حين طلع الفجر ثم الظهر حين كان ظله مثله ثم العصر حين كان مثليه ثم المغرب حين غابت ثم العشاء إِلى ثلث الليل أو نصفه. شك أحد رواته ثم الفجر وأسفر وذلك كله بإِمامة جبريل كما رواه ابن عباس عنه - صلى الله عليه وسلم - أمنى جبريل عند البيت مرتين، صلى بى الظهر حين كان الظل قدر الشراك، والعصر حين كان ظل الشئ مثله، ثم المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائِم ثم العشاء حين غاب الشفق ثم الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم، ثم الظهر حين كان ظله مثله ثم العصر حين كان ظله مثليه ثم المغرب كأَمس ثم العشاء حين ذهب ثلث الليل ثم الصبح حين أسفر ثم التفت إِليه - صلى الله عليه وسلم - جبريل فقال: يا محمد هذا وقت الأَنبياء من قبلك. والوقت فيما بين هذين الوقتين، رواه الترمذى وقوله: صلى بى الظهر حين كان ظله مثله، أى فرغ منها حينئذ كما شرع فى العصر فى اليوم الأَول وهكذا يقول من قال لاشتراك بينهما فى وقت ويدل له حديث مسلم وقت الظهر إِذا زالت الشمس ما لم يحضر العصر وقوله فى حديث جابر ابن عبد الله فصلى الظهر حين زالت الشمس يقتضى جواز صلاة الظهر إِذا زالت الشمس وللمنتظر وجوباً ولا ندباً مصير الفئ مثل الشراك، وأما حديث ابن عباس فالمراد فيه أنه حين زالت الشمس كان الفئ قدر الشراك، وذكر ابن إِسحاق أن ذلك كان صبيحة ليلة الإِسرى نزل عليه جبريل حين زالت الشمس وفيه رد على من زعم أن بيان الأَوقات كان بعد الهجرة، وإِنما ناداهم الصلاة جامعة لأَنه لم يشرع الأَذان إِلا فى المدينة واستدل بعضهم بالحديث على جواز الإِتمام بمن يأتم بغيره وأُجيب بأَنه كان مبلغاً فقط وفيه أن المامومين لا يعلمون أنه مبلغ بل يأْتمون به، ومذهبنا عدم جواز الائتمام وعدم جواز المسمع المبلغ لأَن النبى - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك للتعلم - وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر والشمس فى حجرة عائشة كما فى مسند الربيع عن أبى عبيدة عن جابر عن عائشة كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يصلى الظهر والعصر والشمس فى حجرتها لكن يحتمل قصر الحائط وطوله، وعن أنس، كان - صلى الله عليه وسلم - يصلى العصر والشمس مرتفعة يذهب الذاهب إِلى العوالى فيأْتيهم والشمس مرتفعة وبعض العوالى من المدينة على أربعة أميال رواه مسلم والبخارى، وذلك تعجيل قيل المراد بالشمس ضوؤها، وروى الربيع عن أبى عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس بن مالك كنا نصلى الظهر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يخرج الإِنسان إِلى بنى عمرو ابن عوف فيجدهم يصلون العصر، وعن رافع بن خديج كنا نصلى المغرب معه - صلى الله عليه وسلم - فينصرف أحدنا وإِنه ليبصر مواقع نبله، رواه البخارى ومسلم وذلك تعجيل، وكان - صلى الله عليه وسلم - إِذا كان الحر أبرد بالصلاة، وإِذ كان البرد عجل. رواه النسائى من حديث أنس ويؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية رواه أبو داود من رواية على بن شيبان كانوا يصلون فيما بين مغيب الشفق إلى ثلث الليل الأَول وذلك فى المدينة قبل أن يفشو الإِسلام وقال لولا ضعف الضعيف وسقم السقيم لأَخرت هذه الصلاة إِلى شطر الليل، رواه أبو داود عن أبى سعيد مرسلا وفى رواية أبى هريرة لولا أن أشق على أُمتى لأَمرتهم أن يؤخروا العشاء إِلى ثلثه أو نصفه صححه الترمذى ويؤخذ من ذلك استحباب التأْخير على من قدر ولم يشق على غيره ولم يغلبه النوم، وهكذا يقول النووى تقريرا فى شرح مسلم وكثير من أهل الحديث من الشافعية وغيرهم، وقال الطحاوى يستحب إِلى الثلث وبه قال مالك وأحمد وأكثر الصحابة والتابعين وللشافعى قولان تفضيل التعجيل، واختاره النووى وتفضيل التأْخير، وقال النخعى ومقاتل والضحاك والسدى: دلولك الشمس غروبها وهو رواية عن ابن مسعود روى عنه أنه قال: والذى لا إِله غيره إِن هذه الساعة لميقات هذه الصلاة يعنى المغرب وعليه فالآية غير شاملة للظهر والعصر وقيل إِن المراد بالصلاة صلاة المغرب وحدها، وإِن قوله { لدلوك الشمس } بيان لمبدأها، وقوله { إِلى غسق الليل } بيان لمنتهاه وأن ذلك دليل على امتداد وقت المغرب إِلى غروب الشفق. { وَقُرْآن الْفَجْرِ } أى وصلاة الفجر وعبر عنها بالقرآن لأَنها كلها لا تجوز إِلا بالسورة مع الفاتحة ولأَن القراءة ركن من الصلاة فسميت بها كما سميت الصلاة ركوعاً وسجوداً وتسبيحاً وخصت باسم القرآن تنبيهاً على فضل إِكثار القراءة فيها وهى أكثر الصلاة قراءة وزعم ابن علية والأَصم أن القراءة ليست ركناً فى الصلاة، والآية رد عليه إِذ المناسب لتسمية صلاة الفجر بقرآن الفجر تكون القراءة ركناً، ولكن هذا الرد يتوجه فى جانب صلاة الفجر فقط إلا إِن فسرنا قرآن الفجر بالقراءة فى صلاة الفجر أو بالمقروء فيها فيدل الأَمر بإِقامتها على وجوبها فى صلاة الفجر نصاً وفى غيرها قياساً، فإِن قرآن بالنصب معطوف على الصلاة أى أقم الصلاة لدلولك الشمس إِلى غسق الليل، وأقم قرآن الفجر وعلى ذلك فإِضافة القرآن للفجر إِما لقراءته فى الوقت الذى هو الفجر لأَن الصلاة فيها كما أضيفت سائر الصلوات لأوقاتها، وإِما على حذف مضاف أى وقرآن صلاة الفجر، وإِما على أن الفجر اسم للصلاة الواقعة فى ذلك الوقت. { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ } فيه الأَوجه السابقة. { كَانَ مَشْهُوداً } أى تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار. قال أبو هريرة سمعت البنى - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تفضل صلاة الجماعة صلاة الفرد بخمسة وعشرين جزءاً، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار فى صلاة الفجر" ، رواه البخارى، وكذا روى الربيع عن أبى عبيدة عن جابر بن زيد عن أبى هريرة إلا أنه لم يذكر قوله: وتجتمع.. الخ. قال أبو هريرة: اقرأُوا إِن شئتم: إِن قرآن الفجر كان مشهوداً. قال الفجر هذا دليل على أن التغليس أى إِيقاع صلاة الفجر فى الغلس وهو الظلمة أول طلوع الفجر الصادق إِذا تم أفضل من التنوير أى من تأْخيرها إِلى أن ينتشر الضوء ويسمى إِسفار لأَن الإِنسان إِذا شرع فيها من الصبح فالظلمة باقية فيكون ملائكة الليل حاضرين ثم إِذا امتدت الصلاة بترتيل القرآن وتكثيره وظهر الضوء حضرت ملائكة النهار أما إِذا ابتدأ بها فى وقت الإِسفار فإِنه لم يبق أحد من ملائكة الليل فأول وقتها أفضل ا. هـ، وظاهره أن الإنسان قد يخلو من ملائكة الليل وملائكة النهار بأَن يطلع ملائكة الليل قبل نزول ملائكة النهار وفيه بحث، وكذا روى الربيع عن أبى عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يصلى الصبح والنساء متلفعات بخمرهن ما يعرفن من الغبش والغلس، لكن يجوز أن يكون معنى قولها يصلى يفرغ من الصلاة وهو المتبادر ويجوز أن يكون معناه أنه يشرع فيها واعلم أنه يجوز أن يكون معنى قوله مشهوداً أنه يحضره كثير من المصلين أو يحضره الجماعة الكثيرة عند من يصلى بصلاته الكثيرة فيرغب فى القراءة فيكثر سماع الناس فيكثر الثواب ويجوز أن يكون معناه أنه يحضر عنده شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالنور والنوم الذى هو أخو الموت بالانتباه الذى هو أخو البعث. قال - صلى الله عليه وسلم - "أفضل الصلوات صلاة الصبح يوم الجمعة فى جماعة، وما أحسب شهدها منكم إِلا مغفوراً له" .