التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً
٢١
-الكهف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَكَذَلِكَ } أى كما أنمناهم وبعثناهم لما فى ذلك من الحكمة. { أَعْثرْنَا } أطلعنا. { عَليْهِمْ } قوم بندريس المنكرين للبعث بعد الموت وغيرهم من المشركين المنكرين للبعث والمؤمنين فى زمانهم حين أيقظناهم.
{ لِيَعْلَمُوا } أى ليعلم من ينكرون البعث أو ليستيقن المؤمنون ومنكرو البعث.
{ أَنَّ وَعْدَ اللهِ } بالبعث بعد الموت فالوعد مصدر باق على معناه ويجوز أن يكون المعنى أن موعود الله فيكون بمعنى مفعول وموعوده هو البعث { حَقٌّ } فإن الإيقاظ من النوم مطلقاً مثل البعث ولا سيما الإيقاظ من ذلك الموت المتطاول سنين.
{ وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ } لا شك. { فِيهَا } وهى وقت القيامة فإن من أخرج نفوسهم وأمسكها سنين وحفظهم عن التفتت ثم أرسلها إليهم فاستيقظوا قادر أن يحشر الموتى وحفظه أبدانهم أقرب إلى الاستدلال من حيث كمال القدرة من أن يعترض به أحد فيقول: إن الموتى متفتتون فيتعذر بعثهم لأن مانع التفتت مع دواعى التفتت ظاهر كمال القدرة فلا يعسر عليه بعث المتفتت بل من التفتت بعقله أدنى التفات أغناه عن ادعاء التعذر والعسر ما يراه فيه الأشياء تبتدع بلا تقدم ويرى أنه وأمثاله عاجزون عن إبداعها وأن الشئ لا يوجد نفسه.
{ إِذْ } متعلق بأعثرنا أى أعثرنا عليهم حين { يَتَنَازَعُونَ } ليرتفع التنازع إذا رأوهم مبعوثه أرواحهم فى أجسادهم حساسة وهذا المضارع للحال بالحكاية والواو للمؤمنين والمشركين فى زمان أصحاب الكهف.
{ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ } ففريق ينكر بعث الأجساد والأرواح وفريق ينكر بعث الأجساد ويثبت بعث الأرواح وفريق يثبت بعثهما معاً وهو الصواب فالمراد بأمرهم أمر دينهم وهو ما ذكرناه.
وقيل: الهاء فى أمرهم عائدة إلى أصحاب الكهف، وأمرهم هو رجوعهم بعد الاستيقاظ كما كانوا فقال فريق: ماتوا. وقال فريق: ناموا كنومهم الأول وهو الثابت الواضح.
وقيل: أمرهم قصتهم وما ظهر من الآية فيهم وأمرهم منصوب على المفعولية المقيدة على كل حال والمعنى يتنازعون فى أمرهم أو المفعولية المصرحة على تضمين يتنازعون معنى يتجابذون أى يجبذ كل من الفرَق الأمر إلى ما يدعى. وما ذكر الله سبحانه وتعالى بقوله: قالوا: ابنوا، ليس تفصيلا لذلك التنازع بل خلاف آخر كما تعلمه من تفسيرى الأمر بما دكرت.
وقيل: إن تنازعهم فى أمر أصحاب الكهف هو ما خص الله له بقوله { فَقَالُوا } أى قال بعضهم { ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً } يسترهم سدًّا للطريق إليهم فلا يأتيهم الناس ولا يتنافسون فى أمرهم ولا يتسارعون إلى أَخذ ترابهم.
وقيل: المعنى ابنو عليهم بنيانا يسكنه الناس وتتخذونه قربة وإلا لا نسب بقوله { رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ } وعلى الثانى يقال: المعنى حاصل ما يفعل أن يبنى عليهم بنيان وندع التنازع فى أمرهم ربهم أعلم بهم.
وذكر بعضهم أن القائلين ابنوا عليهم بنيانا هم المشركون المنكرون للبعث مطلقاً أو المنكرون لبعث الأجساد فإن أقروا بالله كما هو المتبادر من إنكار بعث الأجساد فالمراد بربهم الله فشرك هؤلاء بإنكار البعث أو إنكار بعث الأجساد وإن لم يقروا به فمرادهم بالرب من كان ربًّا لأصحاب الكهف بدون أَن يعلم هؤلاء القائلون أن ربهم الله. قال ابن عباس: قال المشركون: نبنى عليهم بنيانا لأنهم من أَهل ديننا.
{ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا } استولوا أو غلبوا غيرهم.
{ عَلَى أَمْرِهِمْ } أَمر الفتية أصحاب الكهف وهؤلاء الغالبون هم المؤمنون وقيل: الملوك والرؤساء.
{ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ } من فوقهم أو على باب الكهف. { مَسْجِداً } يصلى فيه المؤمنون ويتبركون بهم وبمكانهم لأنهم على ديننا. وقيل: كأنهم تنازعوا فى أنسابهم وأحوالهم ومدة لبثهم فلم يهتدوا إلى == فقالوا: ربهم أعلم بهم فإنه الذى فعل بهم ذلك.
وقيل: ربهم أعلم بهم هو كلام الله عز وجل رد به على الخائضين فى حديثهم من أُولئك المتنازعين المذكورين فى الآية أو الذين تنازعوا فيهم على عهد رسول اله صلى الله عليه وسلم من أَهل الكتاب.
وقيل: الأمر الذى تنازعوا فيه هو عدد أصحاب الكهف. وإنما قيل قال الذين غلبوا بدون واو العطف لأن المراد أن يكون جواب سؤال مقدر فإن قوله: ابنوا عليهم بنياناً يستدعى أن يقال: فهل بنوه عليهم؟ وماذا وقع ولا سيما أنهم تنازعوا فى أمر البنيان كما خرّج عليه بعضهم قوله تعالى: { إذ يتنازعون بينهم أمرهم } فكأنه قيل أيضاً: وماذا قال الآخرون فأجاب بأنهم قالوا: لنتخذن عليهم مسجدا وأجاب بأن الواقع بناء المسجد لكن هذا يفهم فهما لا تصريحاً من حيث إن قائليه هم الغالبون ومعنى الغلبة على أمر الفتية الاستيلاء عليه ويجوز ردها أمرهم إلى الغالبين أى الذين استولوا أو غلبوا غيرهم على أمر أنفسهم الذى أرادوه بحيث صاروا إنما يكون ما أرادوا لا يغلبهم فيه منازعهم.