التفاسير

< >
عرض

وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً
٧٦
-مريم

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَيَزِيدُ اللهُ } بنزول الآيات.
{ الَّذِينَ اهْتَدَوْا } آمنوا وأيقنوا.
{ هُدىً } إيمانا ويقينا وهو مفعول ثان ليزيد. والحق أن العطف على قوله: { من كان فى الضلالة فليمدد له الرحمن مدا } كأنه قال: إنما يمد الكافر استدراجا لعذابه، ويقصر حفظ المؤمن ويزيده إيمانا، ليعوض له الخير العظيم.
وقال الزمخشرى: العطف على ليمدد له الرحمن؛ لأنه فى معنى إسقاط اللام. ورفع الفعل لأن الشرط ماض.
والعطف بالرفع دليل أن الجواب فى نية الرفع كذا يزيد. ويرتبط الكلام بتقدير ضمير، كأنه قيل: ويزيد الذين اهتدوا المقابلين لهم، أعنى الممدود لهم هدى.
{ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ } الطاعات كلها قولا وفعلا واعتقادا، سميت لأن فائدتها تبقى أبدا.
وقيل: المراد خصوص الصلوات الخمس.
"وقيل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى الدرداء: خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن، فهن الباقيات الصالحات، وهن من كنوز الجنة" .
وقال صلى الله عليه وسلم: "خذوا جُنَّتَكم.
قالوا: يا رسول الله أمِن عدوٍّ حضر؟
قال: من النار.
قالوا: ما هى يا رسول الله؟
قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"
. وإذا ذكر أبو الدرداء هذا الحديث قال: لأهللن، ولأكبرن الله، ولأسبّحنه حتى إذا رآنى الجاهل ظننى مجنونا.
{ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً } مما متع به الكفرة لفنائه، وتعقب الحسرة له، وما عند ربك باق.
{ وَخَيْرٌ مَرَدّاً } مرجعا وعاقبة، أو منفعة، كقولك: ليس لهذا الأمر مَرَدٌّ تعنى منفعة. وهل يرد بكائى زيدا، يعنى هل ينفعه. وهاتان الخيريتان فى مقابلة قولهم: { أى الفريقين خير } أيضا.
وإن قلت: كيف قال: { من هو شر مكانا وأضعف جندا } كأن للمؤمنين أيضا نصيبا من الشر والضعف؟
قلت: هما اسما تفضيل خارجان عن التفضيل، أو باقيان عليه، لكن على أن المقابل ليس المؤمنين كأنه قال: سيعلمون مَن هو غاية فى الشر والضعف، حتى فاق فيهما غيره على الإطلاق، أو على المجاراة لقولهم؛ فإنهم يقولون: إن المؤمن فى ضعف وشر. فقال له: إنهم على ما هم من الشر والضعف الدنيويين أنتم شر وأضعف منهم، باعتبار ما لكم فى الآخرة.
وإن قلت: فكيف قال: "خير عندك ربك ثوابا" كأن للكافرين ثوابا ففضل عليه ثواب المؤمن؟
المعنى: إن ثواب المؤمن خير مما متع به الكافر، أو أراد أن النار ثواب الكافر كما يقول:
{ { فبشرهم بعذاب } ولكن هذا نوع من التهكم، وهو أغيظ للهدَّد. وليس المعنى أن المؤمن أَبلغ فى ثوابه من الكافر فى عاقبه كما آل إليه كلام القاضى تبعا للزمخشرى. ولو صح هذا المعنى فى قولك: العسل أحلى من الخل والصيف أحرّ من الشتاء، أى العسل أبلغ فى حلاوته من الخل فى حموضته، والصيف فى حره أبلغ من الشتاء فى برده، إلا أن بيَّنَا هذا المعنى على معنى التهكم المذكور.