التفاسير

< >
عرض

أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
١٠٠
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ }: قال سيبويه: الواو للعطف دخلت على ألف الاستفهام، انتهى. وهو محتمل لأن تكون الهمزة من المعطوف بالواو لكن قد حلت على الواو، والعطف على { وما يكفر بها إلا الفاسقون } ومحتمل لأن تكون على محذوف معطوف عليه، أى كفروا بالآيات البينات، وكلما عاهدوا عهداً، والعطف على الأول عطف إنشاء على أخبار، وعلى الثانى عطف أخبار على إنشاء، وعندى يجوز كون الواو للاستئناف والهمزة مما بعدها، وأصل واو الاستئناف العطف عندى، وقرأ ابن السمال (بسين مهملة وميم مشددة ولام بعد ألف) أو كلما بإسكان الواو، فهى أو العاطفة، وهى لتنويع من يكفر بها، وكأنهُ قيل وما يكفر بها إلا الذين فسقوا أو نقضوا عهد الله مراراً كثيرة، كلما عاهدوا نقضوا، لا بمعنى بل، وقال الكوفيون وأبو على وأبو الفتح وابن برهان: إنها للإضراب كبل، أى كلما عاهدوا. ذكره ابن هشام. وإنما يجوز هذا عند سيبويه أن تقدم نفى أو نهى، وأعيد مع العامل نحو ما قام زيد أو ما قام عمر، ولا يقم زيد أو لا يقم عمر، ونقله ابن هشام عن ابن عصفور عن سيبويه، وكل ظرف متعلق بنبذ على حد ما مر، وقرئ عوهدوا، وقرئ عهدوا، أى كلما عاهدوا الله عهداً، أو كلما أخذ الله منهم العهد أن يؤمنوا بمن يبعث الله رسولا وينصروه على المشركين، ويعملوا بما أوحى إليه، أو كلما عاهدوا نبيا بعد إرسال الله إياه أن يعينوه على المشركين. وقال العهد الذى أخذ عنهم ونبذوه هو ما أخذ عليهم فى التوراة من أمر النبى، صلى الله عليه وسلم، ومعنى نبذوه طرحوه، والنبذ الطرح، والغالب استعماله فما ينسى، والمراد الإعراض والترك لذلك العهد ونقضهُ، وقد قرأ ابن مسعود: أوَ كلما عاهدوا عهدا نقضه فريق منهم، أى من اليهود. ومحط الاستفهام التوبيخ الإنكارى، هو قوله: { نبذه } وإنما قال فريق لأنه منهم من لم ينقض وهم قليل، وإطلاق الفريق على الأكثر جائز، فإن الأكثر هم الناقضون كما قال الله جل وعلا:
{ بَلْ أَكْثَرُهُم لاَ يُؤمِنُونَ }: وفيه إشارة إلى إشارة إلى أنهُ لم ينبذ سرا لأن ما يفعلهُ جمهور القوم من شأنه الشهرة والظهور، وبل للانتقال، والمعنى ليس من شأن أكثرهم الإيمان، أو لايؤمنون بالتوراة فلا يأخذون الوفاء بالعهد ديانة، وهونوا نقضهُ ولم يروه ذنبا، ودأب اليهود نقضه، وكم أخذ منهم ومن آبائهم فنقضوه، وكم عاهدهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يفوا. قال الله جل وعلا:
{ { الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم فى كل مرة وهم لا يتقون } قال ابن عباس رضى الله عنهما: لما ذكرهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أخذ عليهم من العهود فى محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يؤمنوا به، قال مالك بن الصيف: والله ما عهد إلينا فى محمد عهد فنزلت الآية { أو كلما عاهدوا عهدا } ومن عهودهم قولهم: أظل زمان نبى مبعوث فى كتابنا.