التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ
١٢١
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ الذِينَ آتيناهُمُ الكِتَابَ }: قال ابن عباس: نزلت فى أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر بن أبى طالب، وهم أربعون رجلا، اثنان وثلاثون رجلا من الحبشة، وثمانية من رهبان الشام، منهم بحيرا الراهب. وقال الكلبى: هم الرهط الذين آمنوا من أهل الكتاب، اثنان وثلاثون من الحبشة الذين أقبلوا مع جعفر من أرض الحبشة، وثمانية من رهبان الشام، وسبعة من اليهود منهم عبدالله بن سلام، وابن صوريا. وقال ابن زيد: المراد من أسلم من بنى إسرائيل، وقيل مؤمنو أهل الكتاب مثل عبدالله بن سلام. وقال ابن مسعود، ومجاهد، وقتادة، المراد الذين أسلموا من العرب وغيرهم فى زمانه، صلى الله عليه وسلم، ولقوه. وقيل المؤمنون عامة، فاكتاب على قول ابن عباس وقول الكلبى وقول ابن زيد والقول بعده هو التوراة وعلى القولين الآخرين: القرآن. والذين مبتدأ خبره قوله تبارك وتعالى.
{ يتْلُونهُ حقَّ تِلاوتِهِ }: واستأنف فى مدحهم بقوله:
{ أولئكَ يُؤمنونَ بِه }: ويجوز أن يكون هذا خبراً ثانياً، ويجوز أن يكون { يتلُونه حقَّ تِلاوتِه } حالا مقدرة من (هاء) آتيناه، أو من الكتاب أو الهاء والكتاب، وإنما قلت مقدرة لأن إيتاء الله الكتاب لهم لم تقارنه تلاوتهم إياه من أول الأمر، بل بعد { وأولئك يؤمنون به } خبر، ومعنى: { يتلونه } أي يقرءونه حق قراءته بألا يحرفوه ولا يزيدوا فيه ولا ينقصوا منه، وسميت القراءة تلاوة، لأن القارئ يتبع فى قراءته حرفاً بحرف، وكلمة بكلمة، وآية بآية، وسورة بسورة ونحو ذلك من الأجزاء، يقال: تلاه أى تبعه. قال الله تعالى:
{ { والقمر إذا تلاها } أى تبعها، وقد فسره بن عباس وعكرمة ومجاهد باتباعه فى العلم حق الاتباع، بأن يفعلوا ما أمرهم به الله فيه، وينتهوا عما نهاهم عنه فيه، ويؤمنوا بمتشابهه ويكلوه إلى الله تعالى، ويحتمل أن يكون المعنى يتبعونه بتدبر معانيه، والتفكر فيها واستخراج أسراره، وعن ابن مسعود معنى (يتلونه حق تلاوته): أن يحلوا حلاله ويحرموا حرامه، وأن يقرأ كما أنزله الله، ولا يحرفه عن مواضعه، ويحتمل أن يراد مجموع ما ذكر عن ابن مسعود مع التدبر والتفكر، واستخراج أسراره، والهاء فى به عائدة للكتاب، سواء قلنا إنه التوراة أو القرآن، أى الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته، الذين هم يؤمنون به دون من يحرف لفظه، أو يزيد أو ينقص أو يحرف معناه، ويجوز عودها للعلم فى قوله تعالى: { { بعد الذى جاءك من العلم } فإن من يحرف التوراة مثلا لا يؤمن بما جاء به محمد، صلى الله عليه وسلم، من العلم، ويجوز عودها إلى هدى الله، ويجوز عودها إلى محمد، صلى الله عليه وسلم، فإن من يتلو التوراة حق تلاوتها هو الذى يؤمن به، صلى الله عليه وسلم، لأن التوراة قد وصفته.
{ ومَنْ يَكفرْ بهِ }: أى بالكتاب بأن حرفه أو جحده أو زاد أو نقص فيه، أو كذب بما يصدقه، فإن التوراة تصدق القرآن، وفى هذه الهاء الأوجه المذكورة فى هاء يؤمنون به.
{ فَأولئكَ هُم الخاسرِونَ }: فى اعتقادهم وقولهم وفعلهم، إذ تركوا الإيمان الذى به دخول الجنة ورضا الله، وأخذوا الكفر الموجب لدخول النار وسخط الله سبحانه وتعالى، ولا يخفى خسران من استبدل النعمة الدائمة بالعذاب الدائم، ودخل بالمعنى فى هذا الوعيد للفاسق من أهل التوحيد، ولو كان أقرأ الناس بكتاب الله وأعلمهم به، قال شيخ من المالكية: مثل العلم القليل فى الرجل الصالح، مثل العين العذبة فى الأرض العذبة، يزرع عليها صاحبها ما ينتفع به، ومثل العلم الكثير فى الرجل غير الصالح، مثل العين الحرارة فى السبخة تخر الليل والنهار ولا ينتفع بها.