التفاسير

< >
عرض

وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ
١٩٠
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وقَاتِلوُا فى سَبيلِ اللهِ }: أى قاتلوا فى شأن الله، أو قاتلوا لأجل دين الله، سماه سبيلا لأنه طريق إلى رضاه وجنته، والقتال فى سبيل الله أن يجاهدوا لإعلاء دينه وكلمته وإعزازهما، وامتثالا واحتساباً لرضاه، روى البخارى ومسلم عن أبى موسى الأشعرى: "سئل رسول الله - صلى الله عليهِ وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً، أى ذلك فى سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله" ، أى لا لمجرد دعاء الشجاعة إلى القتال ولا للحمية الدنيوية ولا للرياء، وهذه أول آية نزلت فى الأمر بالقتال.
{ الَّذينَ يُقَاتِلونَكُم }: من المشركين، ولا تقاتلوا من لم يقاتلكم منهم، وهذا قبل أن يؤمروا بقتال المشركين كافة، فكانوا لا يقاتلون إلا من قاتلهم. قال الربيع بن أنس: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أمر بقتال من قاتله من المشركين، وكانت هذه أول آية نزلت فى القتال. وقيل أول ما نزل فيه قوله تعالى:
{ أذِنَ لِلذينَ يُقَاتلونَ } ثم أمر بقتال المشركين كافة، قاتلوا أم لم يقاتلوا بقوله تعالى: { وقَاتلُوا المشْركِينَ كَافْة كما يُقاتِلونُكم كافة } وبقوله: { فاقْتُلوُهُمْ حيث ثقفْتموُهُمْ } } { { واقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } فهذه الآية منسوخة بقوله: { وقَاتِلوا المشركين كافة } وقوله: { واقتلُوهم حيث ثقفتموهم } } { { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } هذا قول ابن زيد والربيع بن أنس.
{ ولا تَعْتدُوا }: أى لا تجاوزوا الحد بقتال من لم يقاتلكم، ولا بقتال المعاهدين ولا بنقض العهد ولا بمثلةٍ، فيمن قاتلكم ولا بقتال بلا دعوة إلى دين الإسلام، فالدعوة باقية إلى يوم القيامة، ولا بقتل الصبيان والشيوخ الذين لا يرجع إليهم أمر القتال والمشاورة، ولا يقاتلون. ولا بقتل المرأة إلا إن قاتلت، وكذا العبد، ولا بقتل الرهبان والزمنى والأعمى والمجنون، ولا من ألقى إليكم السلم. روى مسلم عن بريدة:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه على خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: اغزوا بالله فى سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله ولا تغلوا ولا تعتدوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً" والغلول والإخفاء من الغنمة، وقيل إن الآية لا نسخ فيها، بل المعنى قاتلوا الذين تأهلوا للقتال دون من عاهد ودون الصبيان ومن ذكر بعدهم، ولا تعتدوا بمثله، أو قتال بلا دعوة. وقال ابن عباس: قاتلوا من تأهل للقتال ولا تعتدوا بقتال من لم يتأهل كالنساء والصبيان والشيوخ، ومن ألقى إليكم السلم. وروى عنه رضى الله عنه أنه لما صدّ المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية وصالحوه على أن يرجع من قابل، فيخلوا له مكة ثلاثة أيام يطوف بالبيت، فلما تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لعمرة الضاء خافوا ألا تفئ قريش بما قالوا ويصدوهم عن البيت، وكرهوا أن يقاتلوهم فى الإحرام والشهر الحرام فأنزل الله: { وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم } يقول يقاتلونكم فى الشهر الحرام والحرام والإحرام ولا تعتدوا بقول ولا تبدأوا بالقتال، وهذا يؤيد القول بأن الآية نزلت قبل أن يؤمروا بقتال المشركين كافة.
{ إنَّ الله لا يُحبُّ المعْتدِينَ }: المتجاوزين ما حد لهم أى لا يريد لهم الخير ولا يرضى عنهم، فإن حب الله عبده رضاه عنه وإرادته الخير له.