التفاسير

< >
عرض

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ
٢٢٢
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَيسألَونك عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أذْى }: قال السدى: السائل ثابت بن الدحداح أبو الدحداح، وسأل أيضاً غيره من الصحابة، " سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحيض، ولفظ السؤال فيه نوع إبهام أنه تبين بقوله: { قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض }، بواسطة قوله صلى الله عليه وسلم إنما أمرتم بعزل الفروج" أن السؤال كان عن مخالطة النساء حال الحيض، وكأنه قيل ويسألونك عن المحيض ما يفعل النساء معه؟ فحذف ويسألونك عن خلطة المحيض، أو خلطة الحيض أو خلطة زمانه، أو خلطة مكانه، وصحة إضافة الخلطة أو زمانه أو مكانه للملابسة، وإلا فالمخالط المرأة ذات الحيض، فأقرب من ذلك أن يقدر ويسألونك عن مخالطة صاحبة المحيض، فقد ظهر لك أن المحيض مصدر ميمى أو إسم مكان ميمى، أو إسم زمان ميمى، ومكان الحيض هو فرجها، وزمانه هو الزمن الذى جاءها فيه، فإن المضارع الذى عينه مكسورة معتلة قيل تكسر عينه فى اسم الزمان واسم المكان، وتفتح فى المصدر قياساً فيما لم يرد فيه السماع، وقيل تفتح عينه فى الزمان والمكان، وتكسر فى المصدر، وقيل يخير فى الفتح والكسر فى المصدر، وتفتح فى غيره، والقول باستعمال القياس ولو فيما ورد فيه السماع مردود، وجاءت السؤالات الثلاث الأولى بلا واو، لأنهن فى أوقات متفرقة، والثلاث الأواخر بالواو، لأنهن فى وقت واحد، وجئ بحرف الجمع، كأنه قيل يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر، والسؤال عن الإنفاق، والسؤال عن المحيض، فأمره الله أن يجيب بأنه أذى، وهو جواب صحيح، ولو قدرنا عن مخالطة المحيض أو عن صاحبة المحيض، لأن التكلم عن الحيض أو عن الدم بأنه أذى تكلم على صاحبه، والأذى الشئ المستقذر المؤذى، من يقربه أو يقدر مضاف، أى محل أذى إذا فسرنا المحيض بالفرج، فذلك المحل مستقذر بالدم مؤذ، وقيل الأذى الدم، وكفى الجواب بأنه الدم، لأن الدم مستقذر، وهذا القول على أن المحيض الفرج، فيقدر مضاف، أى هو محل أذى، أى محل دم، وقيل الأذى المرض، أى المحيض وهو الفرج حين الحيض محل أثر المرض، ويجوز على هذا القول أن يفسر المحيض بالحيض الذى هو المعنى المصدرى، وهو السيلان، أى خروج الدم مرض، وكفى هذا فى الجواب لأن المرض ينفر عنه.
{ فاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِى المحِيضِ }: أى اجتنبوا وطء النساء وقت الحيض، أو فى مكان الحيض وهو الفرج، أو موضع الإزار، وجاز لكم الوطء فميا دون ذلك وقت الحيض، ووصف المحيض بأنه أذى، ورتب الحكم الذى هو ترك وطئهن عليه بالفاء ليفيد أن الأذى العلة فى المنع، وذلك أن دم الحيض دم فاسد يتولد من فضلة تدفعها طبيعة المرأة من عمق الرحم، ولو احتبست تلك الفضلة لمرضت، وهو جار فى مجرى البول والغائط، فكان أذى مثلها، بخلاف دم الاستحاضة، فدم صالح يسيل من عرق ينفجر فى فم الرحم، وليس من مجرى البول والغائط، روى
" أن أهل الجاهلية وأعراب المدينة وأهلها خصوصاً لمجاورتهم اليهود، إذا حاضت المرأة يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجالسوها على فراش واحد، ولم يساكنوها فى بيت كفعل اليهود والمجوس، فلما نزلت الآية أخذ المسلمون يظاهر اعتزالهن فأخرجوهن من بيوتهم، فقال أناس من أعراب المدينة، يا رسول الله البرد شديد، والثياب قليلة، فإن آثرناهن هلك سائر أهل البيت، وإن استأثرنا بها هلكت الحُيَّض. فقال صلى الله عليه وسلم: إنما أمرت أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن، ولم يأمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم" وقرأ عليهم الآية، يشير إلى أن تفسيرها عزل مجامعتهن، وكانت النصارى - والعياذ بالله - تجامع نساءها ولا تبالى بالحيض، فأمر الله المؤمنين بالاقتصاد اختياراً لهم بين إفراط اليهود والمجوس، وتفريض النصارى، فكان أمرهم بين ذلك قواماً، رأى المسلمون اليهود يفعلون ذلك فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل: { يسألونك عن المحيض }، فقال صلى الله عليه وسلم: "صنعوا كل شئ إلا النكاح"، فبلغ ذلك اليهود فقالوا ما يريد هذا الرجل، إن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا، فجاء أسيد بن حصين وعباد بن بشير فقال: يا رسول الله إن اليهود قالوا كذا وكذا فلا تجامعوهن. فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل فى أثرهما فعلمنا أنه لم يجد عليهما، أى لم يغضب عليهما، بل لقول اليهود، ولو كان قولهما أيضاً غير صواب، وكان أبو حنيفة وأبو يوسف يعتزلان جماع الحائض فى الفرج، وفيما بين الركبة والسرة، ويبيحانه فى غير ذلك، ومحمد بن يوسف لا يوجب إلا اعتزال الفرج، لقول عائشة لابن عمر وقد سألها، هل يباشر الرجل امرأته وهى حائض؟ قالت: نعم تشد إزارها على أسفلها ثم ليباشرها إن شاء، ويروى أن أسفلها الفرج فقط، وعن عائشة رضى الله عنها: كانت إحدانا إذا كانت حائضاً وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر فى فور حيضها ثم يباشرها، وأيكم يملك أربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك أربه وفى رواية: كنت أغتسل ورسول الله من إناء واحد، وكلانا جنب، وكان يأمرنى فآتزر فيباشرنى وأنا حائض. وفور الشئ: أوله: والأرْب بسكون الراء العضو، وبفتحها الحاجة، واحتج أبو حنيفة بما روى زيد بن أسلم أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم: ما يحل لى من امرأتى وهى حائض؟ قال: "لتشد إزارها عليها ثم شأنك بأعلاها" يرى أن المراد تحريم موضع الإزار وهو من السرة إلى الركبة، ويروى عن عائشة رضى الله عنها يجتنب شعار الدم، وله ما سوى ذلك، واحتج به محمد بن الحسن، يرى أن شعار الدم كناية عن الفرج، فإنه يطلق عليه ويطلق على الخرقة التى تجعل على فرجها، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: شعار الدم الذى يلى شعرها، وهو الإزار، وموضعه ما بين السرة والركبة إلحاقاً بالفرج، لأن الدم قد يلحق ذلك، ويدل لما قال محمد بن الحسن ما رواه الشيخ هود: أن عائشة سئلت ما يحل للرجل من امرأة إذا كانت حائضاً؟ فقالت: كل شئ ما خلا الفرج، فإذا ثبت هذا التصريح فالتفسر به الحديث المذكور عنها من اجتناب شعار الدم، ولفظه عند الشيخ هود عن غير واحد من العلماء أنهم سألوا عائشة: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً؟ فقالت: كل شئ غير شعار الدم، ولتصريح عائشة بذلك يترجح تفسير المحيض بالفرج فيفهم أن غير الفرج محرم بالآية، فيتبادر الحل فى غير الفرج، ولو كان المحيض لقباً، ومفهوم اللقب ضعيف، لأنا نبقى ما عدا الفرج على أصله وهو الإباحة استصحابا للأصل.
واختلف العلماء فيمن جامع امرأته حائضاً فى الفرج، فقيل تحرم، وصححه بعض، ولزمه كفارة الجماع فى الحيض أيضا، وهو دينار، وقيل لا تحرم عليه ولا كفارة عليه، ونسب لجمهور الأمة فيستغفر الله ويتوب، ونسب للشافعى فى الجديد، وأبى حنيفة، وقيل: تجب الكفارة وهى ما روى فى حديث ابن عباس رضى الله عنهما
"أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى رجل جامع امرأته وهى حائض: إنه كان إن الدم غبيطا فليتصدق بدينار وإن كان فيه صفرة فنصف دينار" وهو قول الشافعى فى القديم وأحمد. وفروع المسألة فى الفقه. ويروى هذا الحديث فى بعض الطرق موقوفاً عن ابن عباس، واتفقوا على جواز جماعها فوق السرة وتحت الركبة، والجماع فى الفرج كبيرة لقوله صلى الله عليه وسلم: "من جامع امرأته وهى فى حيضها فقد ركب ذنباً عظيماً" . قال الداودى: روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا النساء فى المحيض فإن الجذام يكون من أولاد المحيض" ولفظه عند صاحب الوضعرحمه الله : "وطأ امرأته وهى حائض فقضى بينهما ولد فأصابه جذام فلا يلومن إلا نفسه ومن احتجم يوم السبت أو الأربعاء وأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه" وعن أبى هريرة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "من أتى حائضاً أو امرأة فى دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد" أى كفر نفاق ولم يؤد شكر ما نزل، وشبه نفاقه بشرك من أنكر ما أنزل الله.
{ ولا تَقْربوهُنَّ حتَّى يطْهُرنَ }: تأكيد لقوله: { فاعتزلوا النساء فى المحيض }، وبيان لغايته فإنه نهى عن المباشرة فى موضع الدم، والقربان فى { ولا تقربوهن } كناية عن الجماع، ومعنى يطهرن ينقطع الدم، وترى القصة البيضاء، أو تتطهر بالجفوف إن كان لا تأتيها القصة البيضاء، أو تبلغ الغاية وتنتظر. وفروع ذلك فى الفقه. وعن أبى هريرة:
" أن الحيضة تبدأ فتكون دماً خاثراً، ثم يرق الدم فيكون صديداً، ثم يكون صفرة، فإذا رأت المرأة القصة البيضاء فهو الطهر" . وعن عبد الله بن الزبير: أيها الناس لا تغتروا بنسائكم فإن المرأة لا تطهر حتى ترى القصة البيضاء. وعن عائشة: " يكره للنساء أن ينظرن إلى أنفسهن ليلا فقد تكون الصفرة والكدرة" . وعن عائشة: "إذا أدخلت المرأة القطنة فخرجت متغيرة فلا تصلى حتى تطهر" . ويروى غير مرفوع: "إذا كانت التربة خر الحيض فلا تصلى حتى تطهر" .
وعن عقبة بن عامر أنه يكره أن يطأ امرأته فى اليوم الذى تطهر فيه، وعن أبى بكر العربى: سمعت أبا بكر الشاشى يقول: لا تقرب بفتح الراء بمعنى لا تفعل وبضمها بمعنى لا تدن من الفعل. وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائى بفتح الطاء والهاء وتشديدهما، وكذا عن ابن عباس، وأصله يتطهرن أبدلت التاء طاء وسكنت فأدغمت فى الطاء، ومعناه فى هذه القراءة يغتسلن بعد انقطاع الدم بالقصة أو بعد الحكم بالطهر.
{ فإذا تَطهَّرن }: بالماء أو بالتيمم عند عدم الماء، أو عدم استطاعة استعماله بعد انقطاع الدم بالقصة، أو بعد الحكم بالطهر.
{ فأتُوهنَّ }: للجماع من الإتيان بمعنى المجئ أو كناية عن الجماع، أى فطؤوهن وهو إباحة بعد حصر، وأصل فأتوهن بكسر الهمزة وإسكان فالهمزة همزة وصل لا تثبت فى الدرج، وسقطت من الخط أيضاً كما سقطت من اللفظ لوقوعها بعد الفاء، فإن فاء الجواب أو العطف أو غير ذلك وواو العطب أو الحال أو غير ذلك، ينزلان منزلة الجزء من الكلمة بعدهما، وهمزة الوصل لا تكون وسطا، والفاء هنا للجواب وأما الياء فيدل من همزة أتى التى هى فاء الكلمة، أبدلت الهمزة ياءاً لسكونها بعد كسرة الهمزة ولما حذفت الهمزة الأولى الوصلية عادت الهمزة التى هى فاء الكلمة، قلبت ألفاً لسكونها بعد فتحة، كما قال فى الدرر اللوامع.
{ مِنْ حَيْثُ أمَركُم الله }: وهو القبل الذى هو محل الحرث، فالآية أفادت تحريم الدبر، وأنه لا وطء حتى تغتسل، أو تتيمم لعذر، وذلك واجب للصلاة، فإن لم تغتسل أو تتيمم حتى خرج وقت الصلاة حل له وطئها إلا أن نسيت فيجتنبها قدر الغسل. وطابقه بعد التذكر فقط، وإن قامت بعد الوقت للنسيان تركها حتى تغتسل وتصلى إن اشتغلت بالصلاة، وإن لم تشتغل بها بعد الغسل وطئها. وقال أبو حنيفة: إن طهرت لأكثر الحيض جار قربها، يعنى إن طهرت على عشرة أيام، روى عن خلف بن أيوب وأنه أرسل إبنه من بلخ إلى بغداد للتعلم، وأنفق عليه خمسين ألف درهم، لما رجع قال له: ما تعلمت؟ قال: تعلمت أن رمان الغسل هو من الطهر، فى حق صاحب العشرة، ومن الحيض فى حق صاحب ما دونها، فقال: ما ضيعت سفرك وذلك مذهب أبى حنيفة، يرى له أن يقربها بعد العشرة قبل الغسل بعد انقطاع الدم، ويمنعه من قربانها حتى تغتسل، أو يمضى وقت صلاة فإن طهرت قبل عشرة، ومذهبنا ومذهب الشافعى ومالك وجمهور الأمة أنه لا يحل له وطئها قبل الغسل طهرت قبل العشرة أو بعدها، إلا أن أمضى وقت الصلاة وهو الصحيح، لأنه تعالى لو قال: { حتى يطهرن } لكنه قد قال: { فإذا تطهرن } أن اغتسلن، فإما أن نقول يطهرن بالتخفيف بمعنى يرين الطهر أو يحكم لهن بالطهر، فيقدر محذوف هكذا حتى يطهرن ويتطهرن فإذا تطهرن كقولك لا تكرم زيداً حتى يركب ويجئ فإذا جاء فأكرمه أو يقدر هكذا فإذا تطهرن بعد الطهر كقولك: لا تكلمه حتى يدخل، فاذا طالب نفسه بعد الدخول فكلمه، أو يستغنى عن التقدير بالفاء فى قوله: { فإذا تطهرن } وإما أن نقول يطهرن بالتخفيف بمعنى يغتسلن، ويدل له قراءة حتى يطهرن بالتشديد، فإنها بمعنى الغسل. وعن ابن عباس: معنى قوله: { من حيث أمركم الله } من جهة الطهر، وقيل المعنى من جهة حال الإباحة، لا صائمات أو محرمات بحج أو عمرة، أو معتكفات أو نحو ذلك، وقيل المراد جميع ذلك. وعن عكرمة عن ابن عباس: { من حيث أمركم الله } من حيث نهاكم الله، وهو الفرج، أى فأتوهن فى الموضع الذى نهيتم عنه حال الحيض وهو الفرج، وقيل من حيث نهاكم الله، وهو السرة والركبة وما بينهما على الخلف فى قوله: { عن المحيض } هو ما بينهما معهما أو الفرج تفسير الأمر بالنهى أن النهى عن الشئ أمر بضده على ما مر، وكأنه قيل من حيث أمركم بالتجنب وهو الفرج، أو هو السرة والركبة وما بينهما.
{ إنَّ اللّهَ يُحبُّ التَّوابِينَ }: من الذنوب التى فعلوها كالجماع فى الدبر أو فى الحيض لمن فعله فى الفرج، أو هو موضع الإزار قبل الغسل.
{ ويُحِبُّ المُتَطَهِّرينَ }: المتنزهين عن الذنوب كجماع الدبر، والحيض المذكورين، وكالجماع قبل الغسل، فالحب الأول لمن فعل ذنباً وتاب توبة نصوحاً، والثانى لمن لا يفعله بل يتباعد عنه، ويجتمعان أيضاً فى الواحد، وهو من يتوب عما فعل ويتباعد عما لم يفعل، وكل من التواب والمتطهر صفة مبالغة، أما الأول فلانه أخو مفعال وفعول، وأما الثانى فلأن التفعل فيه للاجتهاد، وقيل التوابين من الذنوب المتطهرين منها ومن كل ما لا ينبغى، وكل مكروه ومن الأقذار كالبول والغائط وجماع الحائض، فإن فيه مع القذر ذنباً. وعن عطاء المتطهرين بالماء من الحدث والنجس، وعن مجاهد من الذنوب، وقيل التوابين من الكبائر والمتطهرين من الصغائر، فلعظم الكبائر عبر فيها بما يدل عن الخروج، فإن التوبة فرع الخروج، لأن معناها الرجوع، فذو الكبيرة خارج عن الإيمان الكامل، بحيث يستحق اسم كفر النفاق، ولكون الصغائر لا يخرج بهن عن الإيمان عبر فيها بالتطهر الذى هو فرع التلطخ بشئ منفر يبقى معه الفاعل غير خارج، لكن يطالب بالتطهر منه، وقيل التوابين من الأفعال المتطهرين من الأقوال، وكان صاحب هذا القول اعتبر أن لفظ التوبة ليس موضوعاً فى اللغة للحذر، فعبر به فى الفعل ومادة التفعل موضوعة فى اللغة لمعان منها الحذر والتوقى، فعبر به فى القول، لأن منه ما هو كالفعل وهو القول الذى هو كفر كالغيبة والنميمة، ومنه ما هو أشد كالقول بديانة محرمة، والأمر بما لا يجوز وتصويبه، وأن هذا النوع من القول أشد من الفعل، لأنه يؤخذ على قائله فيعظم الذنب فناسب المبالغة بالتوقى والحذر، كما يحذر عن السم، وقيل التوابين من الصغائر والذنوب التى هى كبائر المتطهرين من الإجرام التى هى ما يستعظم من الكبائر وتوجيه هذا كتوجيه ما قبله، وقيل التوابين من الذنوب الصغائر والكبائر المتطهرين مما يكره أو لا ينبغى، وتوجيهه كتوجيه القول بالتوابين من الكبائر والمتطهرين من الصغائر، هذا ما ظهر لى فى تفسير الأقوال المذكورة فى الوضع والله أعلم. والحب فة قلب والله منزه عنه، فيحمل حبه على لازم الحب القلبى وهو الإنعام والإثابة، وكانت اليهود تقول من أتى امرأة فى قلبها من دبرها جاء ولده أحول، فأنزل الله تعالى رداً عليهم قوله: { نِسَاؤءكُم حَرثٌ لكُمْ فأتوا حَرْثكُم أنِّى شِئْتُم }.