التفاسير

< >
عرض

نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٢٢٣
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ نِسَاؤكُم حَرثٌ لكُمْ فأتوا حَرْثكُم أنَّى شِئْتُم }. رواه جابر بن عبد الله، والذى ذكر ابن وصاف عن جابر: أن اليهود قالوا: من أتى امرأته مجنبة جاء ولده أحول، فنزلت الآية. وقال الحسن: سبب نزولها أنهم قالوا: يا أصحاب محمد إنه لا يحل لكم أن تأتوا النساء إلا من وجه واحد، وهو استلقاؤها على ظهرها أو نحو ذلك، لا من جنب ولا من دبر فى قبل. وروى الترمذى " أن عمر بن الخطاب جاء النبى صلى الله عليه وسلم فقال له: هلكت.. فقال: ما هلاكك؟ قال: حولت البارحة رجلى يعنى أتاها من دبرها فى قبلها، فلم يرد عليه النبى صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزلت: { نساؤكم حرث لكم } أقبل وأدبر واتق الدبر" ، قال نافع: كنت أمسك على ابن عمر المصحف فقرأ هذه الآية: { نساؤكم حرث لكم }، قال: أتدرى فيم نزلت هذه الآية، قلت: لا. قال: نزلت فى رجل أتى إمرأته من دبرها فى قبلها، فشق ذلك فنزلت الآية، ومعنى كونهن حرثاً مواضع حرث، فالحرث مصدر على حذف مضاف، وقيل الحرث اسم للمرأة فصاعداً تسمية بالمصدر قال الشاعر:

إذا أكل الجراد حروث قوم فحرثى همه أكل الجراد

أى فامرأتى، كأنه يصفها بحب أكل الجراد أو أراد أن يلغز، وكأنه ذكر الضمير فى همه مراعاة للفظ الحرث، لأن لفظه مذكر، شبهت النساء بمواضع الحرث، ووجه الشبه أن الولد ينبت من النطفة الملقاة فى الرحم، كما ينبت النبات بإلقاء البذر فى الأرض، وزعم بعض العلماء ولكنه زل أنه يجوز إتيان النساء فى أدبارهن مستدلا بهذه الآية، زاعماً أن الله سبحانه وتعالى سمى المرأة حرثاً، فالحرث إسماً لها كلها لا لقبلها فقط، وأن الله سبحانه وتعالى خير الرجال بقوله: { أنى شئتم } بين أن يأتوها فى أقبالهن، أو فى أدبارهن، لأن أنى هنا بمعنى أين، وذلك يدل على تعدد المكان، وذلك خطأ فاحش، لأن الله سبحانه وتعالى أخبر بأنهن حرث، فيقدر مضاف، أى محل حرث فتؤتى للحرث، والحرث إنما هو فى القبل لأنها لا تلد من الدبر، فيقدر مضاف آخر، أى فروج نسائكم محل حرث، والفرج الذى هو محل حرث هو القبل فقط، فلك تقدير أقبال نسائكم محل حرث لكم، وأنى لتعدد الأمكنة التى يتوصل منها إلى القبل، أى فآتونهن فى أقبالهن من أدبارهن من جوانبهن، أو من أمامها أو لتعدد الأحوال أى مستدبرات أو مستقبلات أو مجانبات وقائمات وقاعدات، أو ممتدات على الأرض، أو منحنيات كالراكعة والساجدة كما يأتى الإنسان أرضه للحرث من أى موضع شاء، وعلى أى حال شاء وقوله: { فأتوا حرثكم أنى شئتم } كالبيان لقوله: { فأتوهن من حيث أمركم الله } أى الموضع الذى أمرتم بإتيانه هو مكان الحرث ودليل على أن المراد الأصل الوطء طلب الولد لا قضاء وطر، فأتوهن من حيث يلدن، فعنه صلى الله عليه وسلم: "لا يكون الحرث إلا من حيث يكون النبات" . وقال صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة فى دبرها" ، وقال صلى الله عليه وسلم: "ملعون من أتى امرأته فى دبرها" وقال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا محاش النساء" أى أدبارهن، وعن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم: "لا تأتوا النساء فى مواضع حشوشهن" ، وقال صلى الله عليه وسلم: "الذى يأتى امرأته فى دبرها فقط لاط اللواطة الصغرى" ، وعلة تحريم الدبر أن فيه قطع النسل، وفيه النجس لازماً وقد حرم فى القبل حال الحيض، وفيه النجس العارض، وهو الدم كذا قيل، وسأل رجل صحابياً عن الذى يأتى امرأته فى دبرها، فقال: أن تريد أن تعمل عمل قوم لوط؟؟ وقال صلى الله عليه وسلم: "من أتى امرأته فى دبرها فقد كفر بما انزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم" . وعن سعيد بن المسيب: الآية فى العزل، يعنى يجامع ويلق النطفة خارجاً، أجاز ذلك، وسئل ابن عباس عن العزل فقال: حرثك إن شئت فعطش وإن شئت فأرو، والصحيح أنه لا يجور إلا بإذنها إن كانت حرة، وبه قال أحمد، وقيل: العزل الوأد الخفى، أى دفن الصبية حية.
{ وقَدِّمُوا لأنْفُسِكُم }: التسمية عند الجماع فى قلبه أو سراً قبل الكشف، وعن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم:
"لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتى أهله قال باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن قدر بينهم ولد لم يضره الشيطان أبداً" وقيل: طلب الولد بالجماع، وقيل ما يدخر لكم من الثواب بالعمل الصالح، أى قدموا لأنفسكم التسمية أو نية الولد لتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والانتفاع بها فى الآخرة، أو قدموا من الأعمال ما تثابون عليه، كالمفعول محذوف، وعن السدى قدموا الأجر فى تجنب ما نهيتم عنه، وامتثال ما أمرتم به، وعن أبى ذر رضى الله عنه سمعت رسول الله يقول: "ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته" وعن عمر: لولا أن أصيب ولدا فيموت فأوجر فيه أو يبقى بعدى فيدعو لى ما بالبت إلا أصيب ولدا. وعن الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن قدم سقطا أحب إلى من أن أخلف مائة فارس كلهم يجاهدون فى سبيل الله" .
{ واتَّقُوا اللّهَ }: لا تتعدوا مناهيه ولا تقصروا فى أمره.
{ واعْلموا أنَّكُمْ مُلاقُوه }: فيجازيكم على أعمالكم فلا تعملوا ما تفتضحون به وذلك بعد البعث.
{ وَبشِّرِ المؤْمنِينَ }: بالجنة ورضى جزاء على تقواهم وإيمانهم.