التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٢٣٤
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ والَّذِينَ يُتوفَّوْنَ مِنْكُم }: بالبناء للمفعول، أى يقبضون، أى تقبض أرواحهم بالبناء للمفعول، والفاعل الله أو الملائكة، وإن شئت فقل معناه يماتون بالبناء للمفعول، وأصل التوفى أخذ الشئ وافياً كاملاً، وكذلك قد أخذ الله أو الملك من كمل عمره، وقرأ على وعاصم من رواية الفضل عنه بفتح الياء بنا للفاعل، وهو الواو، أى يستوفون آجالهم، وقيل لا يصح ذلك عن على، بل حكى أن أبا الأسود الدؤلى كان يمشى خلف جنازه، فقال له رجل: من المتوفٍّى، وكسر الفاء، فقال: الله! فكان ذلك من جملة الأسباب الباعث لعلى على أن أمر أبا الأسود أن يضع كتابا فى النحو، فهذه الحكاية تنفى أن يقرأ على بالبناء للفاعل.
{ وَيَذَرُون أزْواجاً }: يتركون أزواجا زوج بمعنى المرأة المقارنة لزوجها، وكل زوجة كذلك، والأكثر فى المفرد زوج بلا تاء، ويدل عليه أيضا الجمع على أزواج، فإن جمع المقرون بالفاء على أفعال لا يصح، وحفظت شاذا جاء على أفعال وهو بالتاء فى قول الجوهرى، وهو صفات، قال الجوهرى: تجمع على أصفاء وشمل الأزواج الكتابيات، لأن الصحيح أن المشركين مخاطبون بفرع الإيمان، وقال أبو حنيفة: لم يخاطبوا بها فلو تزوجت قبل عدة الوفاة لم تفرق عنده.
{ يَتَربَّصَّنَ }: ينتظرن.
{ بِأنفُسِهنَّ }: أى يقهرن أنفسهن بالتأخر عن التزوج وعن التزين، ومقدمات التزوج والنكاح، كالخطبة، وعن الخروج إلا لما لا بد منه، والذين مبتدأ وجملة يتربصن خبره، والرابط محذوف، أى يتربصن بعدهم أو بعد توفيهم، كقول العرب: السمن منوان بدرهم، فمنوان بدرهم مبتدأ وخبر، والجملة خبر السمن، ورابطها محذوف، أى منوان منه أو حذف المضاف، وناب الذين عنه فروعى فى الربط ذلك المضاف المحذوف لا المضاف إليه، فالرابط النون من { يتربصن } والتقدير وأزواج الذين يتوفون منكم ويذرونهن يتربصن، ولما حذف أظهر مفعول يذرون وهو أزواجا لم يجعل ضميراً، إذ لم يظهر مرجعه، ويجوز ألا يقدر مضاف، ويحصل الرابط مع ذلك بالنون من حيث إنها عائدة إلى أزواج الذين يتوفون، ألا ترى أنه لو قيل تتربص أزواجهم.
{ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْراً }: عشر ليال ودخل النهار العاشر عند الجمهور. وقرأ ابن عباس وعشرة أيام لا أيام بدليل أنه لم يقل وعشرة، وهكذا تغلب الليالى بالذكر لأنها مبتدأ الشهور والأيام، وناسب هنا أن ذلك العدد أيام حزن على زوجها، وترك الزينة، فالنهار أيضاً كالليل إلا الحوامل، فعدتهن أن يضعن حملهن وإلا الأمة فشهران وخمسة أيام، وقال أبو بكر: الأصح هى كالحرة وعن على: عدة الحامل المتوفى عنها أقصى الأجلين إن وضعت قبل أربعة أشهر وعشراً، وقيل شهرين وخمس إن كانت أمه تربصت حتى تتم ذلك، وإن مضى ذلك ولم تضع، فحتى تضع، وكذا قال ابن عباس، وبقولهما نأخذ، وعليه نعتمد وهو أحوط، وبه قال سحنون وابن أبى يعلى، والقول الأولى لأبى هريرة، واختلف النقل عن ابن مسعود. روى ابن عمر سأل أبى بن كعب عن عدة الحامل المتوفى عنها؟ فقال: أجلها أن تضعَ حملها، فقال: أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. وعلى هذا فلو وضعت بعد الوفاة للحظة حل لها أن تتزوج، ويدل على ذلك ما روى عن سبيعة الأسلمية، كانت تحت سعد بن خولة وهى من بنى عامر بن لؤى، قلت: وقيل من حلفائهم، وكان ممن شهد بدراً فتوفى عنها فى حجة الوداع وهى حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، أى فلم تلبث عن وضعه، أى وضعته قريباً من موته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل رجل من بنى عبد الدار - فقال: مالى أراك تعجلت للخطاب لعلك ترجين النكاح، وإنك والله ما أنت بناكحة حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشراً. قالت سبيعة فلما قال لى ذلك، جمعت علىَّ ثيابى حين أمسيت، وأتيت النبى، صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك، فأفتانى بأنى قد حللت حين وضعت حملى، أمرنى بالتزوج إن بدا لى، قال ابن أشهب: لا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت، وإن كانت فى دمها، إلا أنه لا يقربها حتى تطهر، وعلى هذا فالآية عامة مخصوصة بقوله تعالى:
{ { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } والحامل المتوفى عنها تنظر الوضع فقط قرب أو طال، ولو إلى سنة وسنتين أو أكثر، ولفظ الحديث مذكور فى صحيح البخارى" وصحيح مسلم، ولفظه فى صحيح الربيع أبو عبيدة عن جابر بن زيد، عن ابن عباس: " اختلفت أنا وأبو سلمة ابن عبد الرحمن فى المرأة الحامل إذا وضعت بعد وفاة زوجها بليال؟ قال: فقلت عدتها آخر الأجلين. قال أبو سلمة: إذا وضعت حلت، فجاء أبو هريرة فسئل فقال: أنا مع أبى سلمة، فبعث عكرمة مولى ابن عباس إلى أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت: ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: قد حلت" قال الربيع: قال أبو عبيدة: هذه رخصة من النبى صلى الله عليه وسلم، يعنى رخص لها ترخيصاً ليس لغيرها، وأما العمل فكما قال ابن عباس، وهو المأخوذ به عندنا، وهو قول الله، عز وجل، فى كتابه قال ابن عبد البر لولا حديث سبيعه لكان القول كا قال على وابن عباس لأنهما عدتان مجتمعتان بصفتين، وقد اجتمعتا فى الحامل المتوفى عنها زوجها، فلا تخرج من عدتها إلا بيقين وهو آخر الأجلين، وقال ابن حجر: ولأن القاعدة الأصولية تقتضى ترجيح مذهبهما، لأن الدليلين إذا كان منهما عاما من وجه، خاصا من وجه، فإنه يخص عموم كل منهما بخصوص الآخر عملا بالدليلين معاً، وها هنا كذلك، فإن قوله: { وأولات الأحْمَالِ } الآية ظاهرة العموم فى كل حامل، فيخص بقوله: { والذين يتوفون منكم } فلا بد فى المتوفى عنها زوجها من أربعة أشهر وعشر، وهذه الآية ظاهرها العموم فى كل متوفى عنها زوجها حاملا كانت أو غير حامل، فيخص عمومها بقوله: { وأولات الأحمال } الآية، فلا بد من وضع الحامل، وإن زادت على أربعة أشهر وعشر، فقد عمل بالدليلين معاً بخلافه على مذهب غيرهما، فإنه عمل فيه بعموم آية الطلاق، وذلك أن الخاص يخصص العام تأخر أو تقدم أو جهل التاريخ.
وقال أبو حنيفة المتأخر عاما أو خاصا ناسخ للمتقدم، وآية الطلاق متأخرة عن آية البقرة كما ذهب إليه ابن مسعود، قال من شاء باهلته عند الحجر الأسود أن سورة النساء القصرى أى سورة الطلاق نزلت بعد سورة البقرة: { وأولات الأحمال } عام بذاته وأزواجا عم بالعرض لوقوعه فى حيز الموصول العام، وفى رواية قيل لابن عباس فى امرأة وضعت بعد وفاة زوجها بعشرين ليلة أيصلح أن تتزوج؟ قال: لا، إلى آخر الأجلين. فقال أبو سلمة: قال الله عز وجل:
{ وأولات الأحمال } الآية، فقال ابن عباس إنما ذلك فى الطلاق، وهذه المرأة هى سبيعة المذكورة فى حديث الربيع والبخارى ومسلم وهى سبيعة ابنة الحارث، وهى من المهاجرات، وصرح فى هذه الرواية بعدد الليالى، وأكثر الروايات إبهامها كما فى رواية هؤلاء المحدثين الثلاثة، وفى رواية توفيت بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين يوما أو خمسة وعشرين يوما، وفى بعضها بخمسة عشر، وفى بعضها بأربعين ليلة، وفى رواية لم أمكث إلا شهرين، وكانت العدة ما ذكر، لأن الجنين فى الغالب يتحرك فى ما قبل الثلاثة أشهر إن كان ذكراً وأربعة أشهر وعشراً إن كان أنثى، فاعتبر أقصى الأجلين، وزيد عليه الشعر زيادة فى براءة الرحم، وذلك لنقص الشهور، وكمالها وسرعة حركة الجنين وإبطائها، كما قال ابن المسيب وغيره، ولأنه قد تضعف حركة الجنين أولا فلا يحس بها، والمشهور أن الجنين مطلقا يتحرك الأربعة وعشر، وقيل لأن الولد يكون نطفة أربعين يوماً، وأربعين علقة، وأربعين مضغة، ثم ينفخ فيه الروح فى العشرة، وعن ابن مسعود رضى الله عنه: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: "أن خلق أحدكم يجمع فى بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة، مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً يكتب رزقه وأجله وعمله وشقى أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح" الحديث. ومعنى المصدوق الذى أخبره غيره بصدق، فإن جبريل أخبره وصدق فى إخباره، والظاهر أن العدة استبراء الرحم، فهى معقولة المعنى فيكفى مضى المدة من حين مات، ولو لم تعلم المرأة، وبه قال جمهور الأمة ويدل له أن الصغيرة التى لا علم لها، والمجنونة تكفيها هذه المدة، وقيل تبدأ العدة من حين علمت، والسبب العلم، وعلى الأول السبب الموت، والقولان فى المذهب وشهر فيه الثانى بقوله تعالى: { يتربصن }، وهو دال على تعمد العدة وقصدها، ويجاب بأن ما هو معقول المعنى لا يشترط فيه القصد، وذلك أنا أمرنا بغسل النجس، فلو زال بلا عمد من بدون أو ثوب بشدة الماء وبقصد إلى تنضيفه من وسخ فقط، لكفى، وأما ترك الزينة، فعن جابر بن زيد، عن أبى سعيد قالت حفصة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لأمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" وقال جابر: بلغنى عن أم حبيبة زوج النبى صلى الله عليه وسلم، لما توفى أبوها أبو سفيان بن حرب دعت بطيب فيه صفرة خلوق فدهنت به جارية ثم مسحت به عارضيها، فقالت ما والله مالى بالطيب من حاجة، إلا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" ومثله فى البخارى ومسلم، وقال أيضا: بلغنى عن أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم " جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إلى ابنتى توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ثلاثا ثم قال: إنما هى أربعة أشهر وعشرا" و "عن أم سلمة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفى أبو سلمة وقد جعلت على صبرا، فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب. فقال: إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار ولا تمشطين بالطيب ولا بالحناء فإنه خصاب قلت: بأى شئ أمتشط يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بالسدر تخلقى به رأسك" وعن عائشة رضى الله عنها، أن البى صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لأمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوجها" وعن أم عطية: كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تكتحل ولا تتطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغاً إلا ثواب عصب، وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من حيضتها فى نبذة من كست أظفار، وعن أم سلمة عنه صلى الله عليه وسلم: "لا تلبس المتوفى عنها زوجها المعصفر من الثياب ولا الممشقة بالمشق، ولا الحلى ولا تختضب، ولا تكتحل ولا تتطيب" ، وأخرج مالك فى المطأ عن نافع، أن صفية بنت عبد الله اشتكت عينها وهى حاد على زوجها ابن عمر فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمضان. يقال حدث فهى حاد حداد بالكسر، وأحدت إحداداً فهى محد تركت الزينة والطيب وغيرهما ودواعى الجماع بعد موت زوجها، ويقال: جدت - بالجيم - أى قطعت الزينة وأفاد الإجماع وجوب الحداد على المرأة من وفاة زوجها، ودخلت الصبية بلفظ المرأة لأنها قد يطلق لفظ المرأة عليها أو بالقياس عليها، وعليه فخصت المرأة بالذكر جريا على الغالب، ومعنى وجوبه على الصبية خطاب الولى بمنعها، ووجب ذلك على المتوفى عنها، ولو لم يدخل بها أو طلقها ومات فى العدة الرجعية وكذا المكاتبة لا على السرية خلاف لأبى حنيفة للتقييد بالزوج فى الخبر، والحداد من حق الزوج، وحفظاً للنسب، فيجب على زوجه الكتابية، ولو قيل لم تخاطب بفروع التوحيد والتقييد بقوله: { تؤمن بالله واليوم الآخر } زجر فلا مفهوم له خلافا لأبى حنيفة وأبى ثور، وبعض المالكية، ولا تدخل الذمية بلفظ { تؤمن بالله واليوم الآخر } كما زعم بعض لقوله تعالى: { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } الآية قال النووى: التقييد بالإيمان وجهه أن المؤمن هو الذى ينقاد للشرع، وما أمر أولى، وفى رواية عند المالكية أن الكتابية تعتد بالأقراء، وهو قول من قال لا حداد عليها، ودخل بالميت من تحقق موته ومن حكم بموته كالمفقود والغائب.
وقالت المالكية لا حداد على زوجة المفقود والغائب، وليس الحداد على غير الزوج واجب، إذ لو طالبها الزوج بالجماع لم يحل لها منعه، وفى رواية عمرو بن شعيب أنه صلى الله عليه وسلم رخص للمرأة أن تحد على أبيها سبعة أيام، وعلى غيره ثلاثة أيام، وسواء الأجنبى والأقرب، وهو حديث مرسل أو معضل، ولا حداد على مطلقة زوجها حى اجماعا فى الرجعة. وأما البائن وزوجها حى فلا حداد عليها عند الجمهور، وأوجبه عليها أبو حنيفة وأبو ثور وأبو عبيدة قياسا على المتوفى عنها، وبه قال بعض الشافعية وبعض المالكية، وحجة الجمهور أن الحى مانع لها قائم لنفسه، والميت ليس كذلك، فشرع له الحداد منعا لها من دواعى الجماع، ولا حداد على المطلقة قبل الدخول، وأن للحى تجديد النكاح البائن إن لم تحرم ولم يكن ثلاثا، ومعنى يشب الوجه يحسنه وينوره، من شب النار إذا أوقدها، وتخلقى به رأسك تلطخى به، والنبذة الشئ اليسير والكست القسط شئ معروف يبخر به، والممشقة المسبوغة بالمشق وهو المغرة، ولا تلبس الديباج والحرير والحلى والمصبوغ للزينة، كالأحمر والأصفر، وجاز ما صبغ لغير الزينة كالأسود والأزرق، وقيل لا تلبسهما، والأول أولى، لأن المقصود المتنزه عن الزينة، ولعل الخلاف لفظى، فمن أجاز الأسود رآه فى أرضه غير زينة، ومن منعه رأى أهل أرضه يتزينون به.
{ فَإذَا بلغْنَ أجَلَهُنَّ }: وصلن آخره وخرجن منه، وذلك انقضاء عدتهن.
{ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ }: أيها الأولياء والأَئمة، أو المسلمون جميعا، أما الأولياء فلأنهم أحق بنهيهن عن المنكر، وهم الذين يلون تزويجهن فليحذرونهن عن دواعى النكاج، ودواعى التزوج إذا لم يجز ذلك لكونهن فى العدة، ويتركوهن إذا جاز لهن ذلك، وكذلك الأئمُة لا يتركون الناس إلى المنكر، والنهى واجب على كل مكلف من المسلمين وغيرهم.
{ فِيِمَا فَعّلْنَ فى أنْفُسِهنَّ بِالمعْرُوفِ }: من التزين والتجمل للخطاب والتطيب لهم، وطلب التزوج أو التعريض به، والخروج من منزل العدة، والتزوج بالكفؤ أو بكل من يجوز لها إذا هويته ولو لم يكن كفوءً إذْ خفت المعصية، وقيل: المراد بالمعروف التزوج، وقيل النكاح الحلال الطيب، والأول العام أولى وهو قول مجاهد يشمل التزوج وطرح الحداد وغير ذلك مما حرم عليها فى العدة، وإن فعلن ما لا يكون معروفاً فى الشرع فعلى من علم به من الأولياء أو الأئمة والمسلمين أن يكفوهن، وإن لم يكفوهن فعليهم الجناح وهو الإثم مثل أن تتزوج فى العدة، فيلزم المسلمين أن يفرقوا بينهما وإن لم يقدروا استعانوا بالسلطان، وبالمعروف متعلق بفعل أو حال من نون فعلن، أو من عائدها المحذوف، واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى: { فيما فعلن }: على جواز النكاح بلا ولى، والجواب أن هن سبب فى العقد، ولذلك نسب إليهن الفعل الشامل للنكاح والتزين وغيره، ولتحقق النكاح بالولى، ولذلك قال ولا جناح عليكم.
{ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُون خَبِيرْ }: فيجازيكم عليه، والخبير فى صفة الله العالم بحقيقة الشئ الخفى بلا شك، وفى صفة المخلوق. العالم بالأمر الخفى بعد اجتهاد وفكر.