التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ
٦٩
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنُ لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقعٌ لَوْنها }: قال ابن عباس شديدة الصفرة، وبمعناه قول الحسن البصرى صافية اللون، وصفاء الصفرة نصوحها الفقوع أشد ما يكون من الصفرة، ولذلك تؤكد الصفرة به. يقال: أصفر فاقع، كما تؤكد بوارس. يقال: أصفر وارس. وكما تؤكد الألوان يقال: أسود حالك وأسود حانك، وأبيض يقق وأبيض لهق، وأحمر قان، وأحمر دريحى، وأخضر ناضر وأخضر مدهام، وأورق خطبانى وأرمد درانى. وإن زدت توكيداً قلت: أصفر فاقع وارس، وأسود حالك حانك، وأبيض يقق لهق، قاثم قاتن، وأحمر قان دريحى، وأخضر ناضر مدهام، وقد زيد التوكيد فى الآية بقوله: { لَوْنُهَا } بعد التوكيد بفاقع، لأنه أشد الفقوع إلى اللون، وفاقع صفة صفراء أو صفة بقرة من حيث صفرتها ولونها، الصفرة كأنه قيل صفرت صفرتها، فجد جده، وصام صومه، وجنون مجنون، وشعر شاعر، فهو أمثل صفر فاقع وارس فى زيادة التوكيد، لأن فاقعاً بمعنى شديدة الصفرة، كأنها صفرتها. لكمالها فعلت صفرة أخرى، إلا أن أصفر فاقعاً وارساً أشد توكيداً من جهة اللفظ و{ صفراء فاقع لونها } أشد من جهة المعنى على ما مر من أن مثاله إلى قولك صفر صفرته، وإنما أشد الوقوع إلى اللون لملابسة اللون بصفراء، لأن لونها صفرة، والمشهور عن الحسن أن { صفراء فاقع } بمعنى سوداء شديدة السواد، وقال فى قوله تبارك وتعالى: { جمالة صفر } جمالات سود. قال جار الله. ولعله مستعار من صفة الإبل، لأن سواده تعلوه صفرة قال الأعشى يمدح قيس بن معد يكرب:

تلك خيلى منه وتلك ركابى هن سود أولادها كالزبيب

تلك خيلى: مبتدأ وخبر ومنه حال كا، والركاب: الإبل التى يسار عليها وهن سود: مبتدأ وخبر، وأولادها: فاعل سود كما أن لونها فاعل فاقع، وكالزبيب: حال أو مفعلو مطلق، فلما أسند السواد إلى الأولاد ووصفها بمشابهة الزبيب، علمنا أنه سواد إلى صفرة، لأن الزبيب كذلك، وقد نجعل أولادها مبتدأ خبره كالزبيب فلا دليل فى البيت على سواد إلى صفرة، واعترض قول الحسن بأن الصفرة إذا كانت بمعنى السواد لا تؤكد بالفقوع فى معتاد كلام العرب، ولو كان الفقوع فى نفسه صالحاً لذلك من حيث أنه بمعنى الخلوص، فلا يقال لا مانع من وصفها به إذا كان بمعنى الخلوص، كما قال شيخ الإسلام.
{ تَسُرُّ النَّاظِرِينَ }: تعجب الناظرين إليها لحسنها وصفاتها، حتى كأن الشمس تجرى فى جلدها، والسرور لذة فى القلب عند حصول نفع أو توقعه، ثم أطلق على قبول هذه اللذه واستحسانها وهو مأخوذ من السر، لأن ذلك فى القلب وما يظهر فى الوجه واللسان إنما هو أثرهز قال على بن أبى طالب: من ليس نعلا صفراء قل همه، لقوله تعالى: { تسر الناظرين } وهذا لا يختص بالنعل، لقول ابن عباس وغيره الصفرة تسر النفس. وليس لبس النعل السوداء حراماً لقوله تعالى:
{ { قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده } ولما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لبس خفا أسود.