التفاسير

< >
عرض

فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ
١٢١
-طه

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فَأَكَلاَ } آدم وزوجه { مِنْهَا فَبَدَتْ } ظهرت { لَهُمَا سَوْآتُهُمَا } عورتهما. ظهر لكل واحد قبُله وقُبل الآخر ودبره.
وسمى القبل والدبر سوأتين لأن انكشافه يسوء صاحبه وكانا قبل ذلك قد لبسا حُلل الجنة.
وقيل: ألبس الله جسديهما الظفر ولما أكلا منها طار وما بقى إلا ما على الأصابع.
وعن الحسن عن أبىّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان آدم رجلا طويلا كأنه نخلة، جعد الرأس ولما وقع به ما وقع بدت عورته، وكان لا يراها قال ذلك، فانطلق هاربا فى الجنة فأخذت شجرة من شجر الجنة برأسه من الشعر فقال لها: أرسلينى فقالت: لست بمراسلتك. فناداه ربه: يا آدم أمِنِّى تَفِرُّ؟ فقال: يا رب استحييت منك.
{ وَطَفِقَا } طفق واسمه، أى شرعا { يَخْصِفَانِ } خبره أى يلصقان.
وقرئ بضم الياء والتشديد للمبالغة { عَلَيْهِمَا } الحق جواز عمل العامل مطلقا فى ضميرى مسمى واحد إذا عمل فى أحدهما بواسطة حرف جر فلا حاجة إلى تقدير يخصفان على جسديهما.
{ مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ } ورق التين يستران به جسديهما.
وعن بعض: كان ورقا مدوراَ كالكلب. وقيل: سوآتهما فقط.
وعن بعض: يرقعان بعضا إلى بعض كهيئة الثوب.
{ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ } بالأكل من الشجرة. وخص آدم لأنه أكمل عقلا فعصيانه أشد. وقيل: لأن المراد عصى باتباعه حواء فى إرادة الكل.
{ فَغَوَى } دل عن المطلوب وخاب، حيث طلب الخلد بالأكل منها أو عن المأمور به أو عن الرشد حيث اعتر بقول العدو.
ومعصيته هذه قيل: صغيرة وهو ظاهر كلام الشيخ هود -رحمه الله -.
وقيل: ليست ذنباً أصلا وإنما أكل منها نسيانا للنهى فعنفه الله وعاب عليه على عدم تحفظه الموصل له إلى النسيان باسم المعصية والغواية مع أن ما فعل ليس ذنبا زجرا بليغا لأولاده عن الصغائر والكبائر وهو قول ابن العربى من علماء الأندلس.
ومَن قال: إن الأنبياء تصدر منهم الكبائر أشرك. ذكره أصحابنا وغيرهم.
والحق أنه لا يشرك؛ فإن من العلماء من جوَّز عليهم الكبائر وحوَّر أكثر المعتزلة الصغائر دون الكبائر.
وقيل: لا تصدر منهم صغيرة ولا كبيرة وما نسب إليهم من ذنب فإنه ما صدر منهم عن ذهول أو مكان الأولى خلافه أعظم درجتهم والله أعلم. وهم معصومون من وقت الولادة عندنا وعند الشيعة.
وقال أكثر المعتزلة: عُصِموا من وقت بلوغهم.
وقال أكثر الشافعية وأبو على المعتزلى: عُصموا وقت النبوة.
قال الفخر: لو صدر منهم الذنب لكانوا أقل درجة من آحاد الأمة لعظم شأنهم ولكانوا أقل حالا من عدول الأمة فى ذلك الوقت.
قال: ولو وجب الاقتداء بهم فيه.
قلت: لأنه لا يحب الاقتداء بنبى فى كل ما فعل إلا ببيانه وإن كان من رآه يفعل يعلم أنه ذنب فلا إشكال.
قال: ولا أقبح ممن رفع الله درجته وائتمنه وقال: إنه بالوحى افعل أوْ لا تفعل خالف فيكون داخلا فى
{ أتأمرون الناس } الآية وقد قال: { يسارعون فى الخيرات } على العموم ومن الخيرات ترك الذنب، ووصفهم بالاصطفاء وهو ينافى الذنب وذكر وجوها غير ذلك قال: واتفقوا على أنهم معصومون من اعتقاد الكفر ومن الكذب والكتمان فى التبليغ وإلا ارتفع الوثوق بهم.
وأجاز بعضهم السهو فى ذلك لإمكان الاستبراز عنه وعلى أنهم معصومون من الخطأ فى الفتيا عمدا. وأجازه بعضهم سهوا انتهى.
قال ابن قتيبة: يجوز: عَصَى آدمُ ولا يجوز: عارض؛ لأنه يقال لمن اعتاد المعصية. وكان هذا معتمد أصحابنا فى قولهم فيمن فعل كبيرة نفاق من الموحدين أنه يقال: آمن ولا يقال: مؤمن فإن مؤمنا لمن بالغ فى الإيمان، حتى إنه يأبى بالفرائض ويجتنب المحرمات.
وبعد، فالحق عندى جواز تسمية المنافق مؤمنا بمعنى موحدا؛ فإن العرب تسمى باسم الفاعل من فَعل الفعل ولو مرة، فمن خاط ولو مرة يقال له: خائط ولا يقال: خياط إلا إن اعتاد إلا إن كان لأصحابنا دليل نقلى فمسلَّم.
وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم
"تحاجّ آدم وموسى، أى تخاصما.
قال موسى: يا آدم أنت أبونا آدم أخرجتنا من الجنة.
فقال له: أنت يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخَطَّ لك التوراة بيده، أى بقدرته، أو بأمره للملائكة، أتلومنى على أمر قدَّره الله عَلىَّ قبل أن يخلقنى بأربعين سنة، أى أظهَره الله فى الوجود، مثل أن يكتبه فى اللوح، أو يظهره للملائكة، أو خلَق مقدماته، وإلا فعلم الله لا أول له.
قال صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى"
، أى غلبه. وكان موسى لامه على مجرد ذلك، فكان آدم غالبا، ولو لامه على اهتمامه وإرادته وكسبه لم يكن غالبا، لأن العبد يلام على ذلك.
وفسر بعضهم غوى ببَشِم أى بشم وتخم من كثرة الأكل.
قال جار الله: وهو تفسير خبيث، وأصله على هذا غَوِىَ بكسر الواو بعده ياء مفتوحة كما قرأه بعضهم كذلك، فقلبت الكسرة فتحة والياء ألفا على لغة طيِّئ. يقولون فى بَقِىَ ورَضِىَ ونحوهما بوزن عَلِمَ: بَقَى ورَضَى، بوزن سمى.