التفاسير

< >
عرض

لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
١٠٠
-المؤمنون

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لَعَلِّيَ } وسكن الكوفيون الياء * { أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } اي لعلي اعمل الصالح من فرض ونفل مع ما تركت من الايمان.
و(في) بمعنى (مع) وتجوز ظرفيتها اي اعمل الصالح في الايمان اي في حاله اعمل وانا موحد لا مشرك أو المعنى اعمل الصالح الذي هو الطاعة والايمان فيما تركت اي في مقابلة ما ضيعت من عمري.
وقيل: فيما تركت من الدنيا اي ردوني إلى الدنيا التي تركتها أعمل فيها وقيل فيما تركت من المال وعنه صلى الله عليه وسلم إذا احتضر الكافر جمع بين عينيه كل ما ضيع من فرض فيقول عند ذلك { رَبِّ ارْجِعُونِ }
وذكر بعض ان الملائكة تقول له عند الاحتضار: ايسرك ان نردك إلى الدنيا فعند ذلك يقول: { رَبِّ ارْجَعُونَ } الخ.
وعن عائشة - رضي الله عنها عنه - صلى الله عليه وسلم
"إذا عاين المؤمن الموت قالت له الملائكة نرجعك فيقول إلى دار الهموم والاحزان بل قدموني إلى ربي وأَما الكافر فيقول رب ارجعون لعلي أَعمل صالحاً"
قال قتاد: ما تمنى ان يرجع إلى أهله وعشيرته ولا يجمع الدنيا ويقضي الشهوات ولكن تمنى ان يرجع فيعمل بطاعة الله تعالى فرحم الله امره عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب * { كَلاَّ } ردع وزجر عن ذلك القول واستبعاد للرجوع { إِنَّهَا } أي الكلمة التي هي { رَبِّ ارْجَعُون لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً } فيما تركت { كَلِمَةٌ } طائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض.
قال ابن هشام: وتطلق الكلمة ويراد بها الكلام نحو { كَلاَّ } انها كلمة.
قال حفيده: وهو مجاز لغوي.
قال الشيخ خالد من باب تسمية الشيء باسم جزئه.
وقال الفاكهي: حقيقة لغوية وكذا قال الهروي والحفني وعلى الاول فهو مجاز مرسل علاقته الكلية أو البعضية أو هما من باب اطلاق اسم الجزء على الكل.
ورد البليدي بان شرط اطلاق اسم الجزء على الكل ان يكون للجزء المذكور مزيد اختصاص بالمعنى المقصود بالكل من بين الاجزاء الا ان يغفر عدم هذا الشرط في الجزء العام كما هنا فان الكلمة تعم اجزاء الكلام ولك ان تقول ذلك استعارة لانه لما ارتبط بعض الكلام ببعض وحصلت له بذلك وحدة اشبه الكلمة ولو اطلق النحوي الكلمة في تكلمه في مثل النحو واراد الكلام كان مجازا لكن لم ينقل عن واحد منهم انه فعل ذلك ان يقول الكلمة اللفظ المركب المفيد ولذلك قيل: انه مجاز مهمل في عرف النحاة.
{ هُوَ قَائِلُهَا } أما ان يكون المراد انه قائلها لا ينفك عنها لفرط تحسره ويرددها واسم الفاعل قد يرد للتجدد واما ان يراد انه لا بد ان يقولها لذلك واما ان يراد انه يقولها ولا تسمع منه ولا يجاب إليها وانه فورا لا تغني.
واما ان يراد انه يقولها قولا لا يصدق فيه وانه لو رد لعاد { وَمِن وَرَآئِهِم بَرْزَخٌ } اي من امامهم لان البرزخ مستقبل أو من خلفهم كما تقول (ومن ورائك كذا) تريد ومن بعدك يسمى ما بعد خلفا لانك لست فيه فكأنك معرض عنه فكان خلفك.
والبرزخ ما فصل بين شيئين أو اشياء وهو هنا ما بعد الموت.
وقيل: البعث وعبارة بعضهم البرزخ الحائل بينهم وبين الرجعة { إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } يوم القيامة وهو اسقاط كلي عن الرجوع إلى الدنيا لما علم انه لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا وانما الرجوع فيه إلى حياة تكون في الآخرة (انتهى).
والضمير عائد إلى ما عاد إليه ضمير { حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ المَوْتَ } وإلى متعلق ببرزخ.