التفاسير

< >
عرض

وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٢٢
-النور

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلاَ يَأتَلِ } اي لا يحلف ووزنه يفتع والاصل يفنعل حذفت لام الكلمة للجازم فالياء حرف مضارعة والالف فاء الكلمة اعني انها بدل من فائها وهي الهمزة والتاء زائدة واللام عين الكلمة وحذفت الياء بعدها وهي لام الكلمة وثلاثية الباء وبدل لذلك.
قرأ الحسن (ولا يتالّ) بفتح الهمزة أو تشديد اللام مفتوحة محذوفا بعدها ألف للجازم من (تالي) كـ (تدلى) وبدل له ايضا ان ابا بكر رضي الله عنه كان ينفق على مسطح بن اثاثة لقرابته منه.
قيل: كان ابن خالته ولفقره وكان من فقراء المهاجرين ولما رمى عائشة قال والله لا انفق عليه شيئا ابدا فنزل (ولا يأتل) الخ.
وقيل: { لاَ يَأْتَلِ } بمعنى لا يقصر من قولهم (ما الوت) جهدا إذا لم يدخر منه شيئا * { أَوْلُوا الْفَضْلِ } أصحاب الغنى * { مِنكُمْ وَالسَّعَةِ } أي الوسع في المال.
وقيل: المراد بالفضل الفضل في الدين ففيه شرف لابي بكر رضي الله عنه * { أَن يُؤْتُوا } يعظوا * { أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيل اللَّهِ } ان فسر (لا يأتل) بلا يحلف فالتقدير على ان لا يؤتوا أو بلا يقصر فالتقدير في ان يؤتوا.
وقرأ أبو حيوة (ان تأتوا) بالفوقية على طريق الالتفات من الغيبة للخطاب ويناسبه (ألا تحبون) وتلك الصفات الموصوفات فيكون فيه التخصيص ايتاء على القريب وايتاء المسكين وايتاء المهاجر أو الموصوف واحد عطف بالواو أي ان يؤتوا من جمع هذه الصفات * { وَلْيَعْفُوا } عما صدر * { وَلْيَصْفَحُوا } يعرضوا عنه * { أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِر اللَّهُ لَكُمْ } الا للتخصيص أو الهمزة للاستفهام الانكاري او التقريري ولا نافيه والمراد { أَلاَ تُحِبُّونَ } ان تعفوا وتصفحوا فيغفر الله لكم { وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } مع كمال قدرته فاعفوا كما يعفو * اي انفقوا على هؤلاء المذكورين الاقارب والمساكين والمهاجرين ولو كانت منهم جناية عليكم كما ترجون ان يغفر الله لكم مع كثرة خطاياكم ولما نزلت الآية قرأها صلى الله عليه وسلم على ابي بكر فقال أبو بكر: بلى احب ان يغفر الله لي ورجع إلى مسطح ينفقه وقال والله لا اترك الانفاق عليه ابدا ولا انقص شيئا مما كنت افعل له وقد كان يتيما في حجره قبل ذلك وكان بين دار ابي بكر وداره خربة.
وروي ان مسطحا جاءه واعتذر اني كنت اسمع ولا اقول فنزلت الآية فرجع إلى الانفاق وكفر عن يمينه.
قال صلى الله عليه وسلم:
"من حلف على شيء فرأى خيرا منه فليأت إلى الذي هو خير وليكفر عن يمينه" وفي قوله: { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُم } تشريف لابي بكر فانه دعاء إلى المغفرة.
والخطاب عام للحالف بان لا يعود إلى مثل الحلف ولغير الحالف.
وقيل: هو لابي بكر وجمع له تعظيما وقد احتمل الاذى رضي الله عنه ورجع إلى الانفاق لامر الله له بالعفو والصفح كما امر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله
{ فاعفو عنهم واصفح } فابو بكر ثاني اثنين له صلى الله عليه وسلم في كثير من الاخلاق بل في جميعها الا ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: حلف ناس من الصحابة ايضا ان لا ينفقوا على من تكلم بشيء من الافك فخوطبوا هم وأبو بكر بذلك.
وقال بعض قومنا: هذه ارجى آيه من حيث لطفه بالقذفة العصاة بهذا اللطف ويرده ان هذا بفضل دنيوي وانما ارجى آية مثلا { ولولا فضل الله عليكم ورحمته } في المواضع المذكورة وقوله
{ يا عبادي الذين أَسرفوا } وقوله { الله لطيف بعباده } }{ { ولسوف يعطيك ربك فترضى } فيما قيل: { وبشر المؤمنين بان لهم من الله فضلا كبيرا } وغير ذلك مما يذكر في مواضعه.
ومما جاء في الصفح قوله صلى الله عليه وسلم:
"رأيت قصورا مشرفة على الجنة فقلت يا جبريل لمن هذه قال للكاظيمن الغيظ والعافين عن الناس"
وقوله لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن "ما زال جبريل يوصيني بالعفو فلولا علمي بالله لظننت انه يوصيني بترك الحدود"
وقول الحسن إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان له على الله اجر فليقم فلا يقوم الا العافون عن الناس.
وقول علي: (أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة).
وقوله: (إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه).
وقوله: (ان أول عوض الحليم عن حلمه ان الناس له انصار على الجاهل).
وقوله: (للمنتصر لذة العفو يلحقها حمد العافية ولذة التشفي يلحقها ذم الندم).
وكان المأمون يحب العفو ويؤثره ويقول لقد حبب اليّ العفو حتى اخاف ان لا اثاب عليه ولو علم أهل الجرائم لذتي في العفو لارتكبوها ولو علم الناس حبي للعفو لما تقربوا إليَّ الا بالجنايات.
وقال الرشيد لاعرابي: بما بلغ فيكم هشام بن عروة هذه المنزلة فقال بحلمه عن سفيهنا وعفوه عن مسيئنا وحمله عن ضعيفنا لا منّان ان إذا وهب ولا حقود إذا غصب؛ رحب الجنان سمح البنان ماضي اللسان فأومأ الرشيد إلى كلب صيد كان بين يديه فقال لو كان هذه في هذا الكلب لاستحق به السؤدد.
{ فَائده } يكتب أولو بالواو وبعد همزة مضمومة بالجر والنصب للفرق بينهم وبين (إلى) الجارة في الرسم وحمل عليهما الرفع وهذه الواو ليست من حروف الكلمة الاصلية ولا الزائدة انما هي كواو عمرو وفي ضبطها بحلقة حمراء بعد ضمة دليل على ذلك على حد ما مر في اولئك.