التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٧٠
وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً
٧١
-الفرقان

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمَلَ عَمَلاً صَالِحَاً } اي تاب من الشرك واخلص الايمان لله وعمل الطاعات "وعن ابن عباس قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر } الآية ثم نزل { الا من تاب } فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قط فرح بشيء مثلما فرح بها وفرح بـ{ إنا فتحنا لك فتحا مبينا }" الآية.
وعنه قتل علي وحمزة رضي الله عنه يوم بدر المطعم بن عدي وطعيمه بن عدي بعد ما نزل بمكة
{ والذين لا يدعون مع الله إلها } مهانا ولما تجهز المسلمون إلى احد قال جبير بن مطعم من قتل عليا أو حمزة أو محمدا فله مائة من الابل ان كان حرا وان كان عبدا فمن مالي وقتل وحشي حمزة ونقر بطنه ونزع كبده وجدع انفه واذنيه وقطع مذاكره فانطلق بكبده إلى مكة فقال لجبير هذه كبدة حمزة فاعتقني فابى فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله هل لي من توبة؟ فان الله انزل ما يؤنس من كل خير { والذين لا يدعون مع الله } وقد دعوت { ولا تقتلوا } إلى آخره وقد قتلت حمزة { ولا يزنون } وقد فعلت؟ فهل لي توبة؟ فانزل { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَعِمَل صَالِحِاً }.
{ فَأُوْلَئِكَ } مراعاة لمعنى من * { يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } فهذه الآية مدنية.
قيل: بدل الله لهم بالشرك ايمانا وبالفجور العفاف فقال وحشي: هذا شرط شديد لعلي لا أفي به ولعلي لا ابقى بعد التوبة حتى اعمل صالحا فكتب فهل لي من توبة اوسع من ذلك فانزل الله سبحانه
{ إن الله لا يغفر أَن يشرك به } الخ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بها إليه فقال: اني اخاف ان لا اكون من اهل مشيئته فانزل الله { قل يا عبادي الذين اسرفوا } فبعث بها إليه فاسلم ولما ارتد الناس في خلافة ابي بكر رضي الله عنه بعث خالدا إلى أهل الردة من اليمامة فخرج وحشي معه فقتل مسيلمة وقال قتلت خير الناس غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلت شر الناس مسيلمة لعل الله يجعل هذا بهذا.
والظاهر ان الاستثناء متصل.
واختار الصفاقصي انه منقطع اي لكن من تاب الخ.
قالت العلماء ان الله يبدل مكان كل سيئة حسنة زيادة على ما عمل من حسنات بعد التوبة.
وعن بعضهم ضاعف العذاب على المشركين لانضمام المعصية إلى الشرك فاذا تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات محا سوابق معاصيهم بالتوبة واثبت مكانهم لواحق طاعتهم.
وقيل: التبديل ان يجعل في قلوبهم قوة راسخة في الطاعة بعد ما كانت فيها قوة راسخة في المعصية.
وقيل: ان يوفقه إلى اضداد ما سلف منه وذلك كله لكمال غفرانه ورحمته.
{ وَمَنْ تَابَ } عن المعاصي بتركها والندم عليها وذلك خروج عنها.
{ وَعَمِلَ صَالِحاً } في مقابلة تفريطه وذلك هو دخول في الطاعة ولا اجر ولا مدح لمن ترك المعاصي بلا ندم وعمل صالحا عندنا واجاز بعضهم تركها بلا ندم عنها ولا تمن لها وانه ان عمل صالحا ثبت عليه.
{ فإَنَّهُ يَتُوبُ } يرجع بذلك وكان مستقبلا لان الشرط مستقبل معنى { إِلَى اللَّهِ مَتَاباً } عظيما مقبولا مكفرا للخطايا محصلا للثواب ومثاب مصدر ميمي كهو محط الكلام أو المعنى فانه يتوب متابا لله الذي يعرف حق التائب ويحبه ويصطنع به وفي كلام بعض العرب الله افرح اي ارضى بتوبة العبد من المضل الواحد اي ممن اضل راحلته مثلا اي فقدها ثم وجدها والظمآن الوارد والعقيم الوالد فمحط الكلام قوله ان الله او المعنى انه يرجع إلى الله وثوابه مرجعا حسنا واي مرجع أو المعنى يرجع إليه رجوعا فيجازيه خيرا.
وعن بعضهم انما تقدم في كافر { آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } وهذا بخلاف الثاني فانه عام وعلى هذا يكون تعميما بعد تخصيص.
وزعم بعضهم ان قوله { وَمَن تَابَ } انما هو في التوبة عن الشرك وقوله { وَعَمِلَ صَالِحاً } معناه ادى الفرائض ولم يزن ولم يقتل بعد الايمان وقواه { فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً } معناه يعود إليه بعد الموت عودا حسنا يفضل على غيره من قتل وزنا وتاب فالتوبة في ومن تاب توبة عن الشرك وفي يتوب الخ رجوع إلى الله للجزاء وان قوله { إلاَّ مَن تَابَ } الخ اريد فيه التوبة عن الزنا والقتل.
وقيل: المعنى من اراد التوبة وعزم عليها فليتب فان باب التوبة مفتوح فقوله انه يتوب الخ في لفظ الخبر في معنى الامر.
وقيل: المعنى فليعلم ان مصيره إلى الله سبحانه.
وروى قومنا ان آخر رجل يخرج من النار رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبائرها فتعرض عليه صغائرها ولا ينكر واشفق ان تعرض عليه كبائرها فيقال له: ان لك مكان كل سيئة حسنة فيقول يا رب قد عملت اشياء لا اراها هنا قال الراوي: وهو ابو ذر فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك حتى بدت نواجذه قلنا هذا افتراء منه عن ابي ذر ورسول الله صلى الله عليه وسلم معاً كما يدل عليه تنافر الحديث فانه ان قيل ذلك قيل دخول النار فكيف يدخلها بعد وقد لطف به وابدلت له كل سيئة حسنة وبشر بذلك ولم تعرض عليه سيئاته الكبار.
وان قيل له ذلك بعد الدخول والخروج فكيف تعرض عليه ذنوبه بعد الخروج اعراضا بعد اعراض المحشر فهذان اعراضان اما متوافقان أو مختلفان بان تعرض عليه صغاره وكباره بالمحشر وكباره فقط فكيف يعرض عليه صغارها وحدها بعد او اعراضا لم يسبقه اعراض فيلزم ادخال المؤمن المبدل سيئاته حسنات النار بغير حساب فان كان التبديل قبل الدخول فكيف يدخلها وقد بدلت له حسنات وان كان بعدها فباطل لان الله لا تبدو له البدوات.