التفاسير

< >
عرض

لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ
١١١
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ }: وأزاد "إن" على سبيل الاستطراد، وهو أن تكون من من الكلام ثم تدخل فى آخر يناسبه، نحو: زيد عالم شجاع لا يمسك ما يذله من مال، ولا يكثر النوم. فإن الكلام قيل فى أن إيمان أهل الكتاب خير لهم، وهذا يناسبه بيان أن قليلا منهم آمن وأضر الكثير، وأنهم لا طاقة لهم على الأذى العظيم، وهم مغلوبون فى القتال إن قاتلوا، ولم يعطف { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } على ما قبله لتباعد ما بينهما من حيث أن كلا منهما نوع من الكلام على حده، ومعنى { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى }: لن يضروكم إلا ضرراً يسيراً، باعتبار أنه ليس فيه قتلكم ولا أسركم ولا إخراجكم ولا أحذ أموالكم، والتنكير للتحقير الاعتبارى، وذلك الأذى: الطعن فى الدين، وتخويف ضعفة المسلمين ومن ذلك الطعن قولهم: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، وإخفاء صفات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى التوراة والإنجيل، وقد علمت أن { أذى } مفعول مطلق بمعنى الضر، فرع إليه لجواز التفريع إليه عند بعض النجاة مطلقاً وعند بعض: إن كان غير مؤكد، وهو هنا غير مؤكد، لأن المعنى أذى يسيراً، ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعاً، أى: لن يغلبوكم على مالكم وأنفسكم وأهلكم، لكن يضروكم بكلمة أذى. كما روى أن رؤساء اليهود عملوا إلى من آمن منهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، كعبد الله بن سلام، فآذوهم لإسلامهم، فأنزل الله عز وجل { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } كطعن وتهديد، وإلقاء شبه، وشك فى القلوب، وذلك يغتم به المؤمن، ولكن الظاهر المناسب أن الخطاب للمؤمنين كلهم يومئذ، ولو كان سبب النزول خاصا، وفى الآية تثبيت للمؤمنين على الإيمان. ومعنى تولية الأدْبَار: جَعْلُهم إياكم تالين أدبارهم، بأن يهربوا منهزمين، فلا يليكم منهم إلا أدبارهم. وأدبارهم هى ظهورهم ومقاعدهم، وكلما يستدبر من أجسادهم، ويجوز أن يراد بأدبارهم قاعدهم تخسيساً لهم، والأدبار: مفعول ثان، ومعنى { ثم لاَ يُنصَرُون }: أنهم بعد انهزامهم لو أطالوا الاجتهاد والحث لا ينصر أحد بتغليبهم عليكم، ولا بدفع بأسكم عنهم، فانهزامهم مستمر لا يراجعه نصر، و{ ثم } للترتيب والتراخى الزمانى، وليس { لاَ يُنصَرُون } معطوفاً على { يولوكم } وإلا حذفت نونه فقيل: ثم لا تنصروا، كما قرأ بحذفها من عطفه عليه، بل هو معطوف على مجموع الشرط والجواب والأداة، فلم يستحق الجزم، و{ ثم } فى قراءة حذف نونه للتراخى فى المرتبة لأن الأخبار بتسليط الخذلان عليهم، أعظم من الإخبار بتولية الأدبار، ويجوز أن تكون قراءة حذف النون للتراخى الزمانى وفى قراءة ثبوتها للتراخى الرتبى، وفى قراءة الرفع الأخبار بأنهم لا ينصرون، وقع قتال أو لم يقع، إذ قد يكون الناس فى ذل وهوان بدون قتال، وقد وقع عدم النصر مستمرا فى قريظة والنضير وقينقاع، وأهل خيبر عدماً مستمراً، والحمد لله، فقراءة الرفع أرحج من قراءة الجزم، إذ قراءة الجزم مقيدة لعدم النصر بوقوع القتال، أو فى الإخبار بذلك، ووقوعه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله { لَن يَضُرُّوكُم } إلى { لاَ يُنصَرُون } عائد على أهل الكتاب الذين هم يهود، وما قبله عائد إلى أهل الكتاب: اليهود والنصارى، وقيل: المراد بأهل الكتاب اليهود.