التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ
١٣٦
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أُوْلَـئِكَ }: الإشارة إلى الذين إذا فعلوا، إن لم يعطف الذين على ما قبله بل جعل مبتدأ خبره جملة أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم، وإن عطف على ما قبله، واستؤنف لقوله { أولئك } فالإشارة إلى من ذكر فى قوله: { للمتقين الذين } إلى قوله: { { وهم يعلمون } }. { جَزَآؤُهُمْ }: على ذكرهم الله، واستغفارهم، وعدم إصرارهم، وقولهم { ومن يغفر الذنوب إلا الله } إن قلنا إن قوله { { من يغفر الذنوب إلا الله } من كلامهم، أى قائلين { ومن يغفر الذنوب إلا الله } أو وقالوا: ومن يغفر الذنوب إلا الله، فحذف الحال أو المعطوف، ويبقى العاطف، ونزل المقول منزل المعطوف، وفى الوجه الأخير ضعف.
{ مَّغْفِرَةٌ }: لذنوبهم.
{ مِّنْ رَّبِّهِمْ }: عظم المغفرة بالتنكير، وبوصفها بقوله: من ربهم.
{ وَجَنَّاتٌ }: ذكر للتعظيم إن عطف إن عطف الذين إذا فعلوا على ما قبله، ولو تفاوت جنات من يفعل فاحشة أو ظلماً، وليستغفر مع جنات المتقين الموصوفين، بأنه تعالى يجبهم بإحسانهم فإنها أعظم من جنات من يفعل فاحشة أو ظلماً فيستغفر، وإن جعل الذين إذا فعلوا لبتدأ، فتنكير جنات للتحقير بالنسبة إلى جنات هؤلاء الموصوفين بالاتقاء والإنفاق، وما بعدهما ولذا فضلهم بأن بين محسنون، وبين أنهم يحبهم الله إذا حافظوا الحدود، وتمسكوا بمكارم الشرع، وجملة قوله تعالى:
{ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ }: نعت الجنة.
{ خَالِدِينَ فِيهَا }: حال من هاء جزائهم، ولو كان مضافاً إليه، لأن المضاف بالأصل مصدر، فهو صالح للعمل، واعتبر من أصله أن المعنى يجزيهم الله جنات خالدين فيها، ومن أجاز أن لا يضمر الضمير فى النعت والحال، والخبر، والصلة الجاريات على غير ما هى له، فانه يجوز عنده أن يجعل خالدين نعتاً لجنات سببياً، أو حلال سببياً من جنات، لأنها نعتت بقوله { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } أى: خالدين هم فيها، و{ فيهاْ } متعلق بخالدين، وعلى كل حال فالحال والنعت مقدران، والضمير فى { فيها } عائد إلى جنات، وجزاؤهم بدل اشتمال من أولئك ومغفرة: خبر أولئك أو مبتدأ أول، وجزاؤهم: مبتدأ ثان، ومغفرة: خبره، أو الجملة خبر الأول الذى قبله فذاك ثلاث مبتدأت على هذا الوجه ومبتدأت على الوجه الذى قبله وعلى جعل أولئك مستأنفاً.
{ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }: أى العاملين بالطاعة، والمخصوص بالمدح محذوف، أى نعم العاملين الجنة والمغفرة، وإذا قلنا: الذين إذا فعلوا مبتدأ فإنها ختم الكلام بقوله: نعم أجر العاملين، لأن من قصر عن العمل، ثم رجع عن التقصير، كالعامل لكن المقصر الراجع عن التقصير الذى هو كالأجير، دون المحسن المحبوب، ولكنه دونه، ذكر فيهم الأجر وذكر فى الأولين الجزاء، وذكر الله الجزاء للمتقين المحسنين، وذكر الأجر للعاملين ولم يبق للمصرين إلا العقاب، لحديث "هلك المصرون" وغيره من الأحاديث والآيات الدالة على عقابه الملحقة الفاسق بالمشرك، ولا يخفى أن كلا الفريقين فى الآية عامل، وله أجر عمله، ولكن خص الثانى بلفظ الأجر للإشارة إلى أنه أدنى، ولا واجب على الله ولا طمع فى الجنة بلا عمل، أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام، ما أقل حياء من يطمع فى جنتى بغير عمل، كيف أجود برحمتى على من بخل بطاعتى، وعن شهر بن جوشب طلب الجنة بلا عمل، ذنب من الذنوب، وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور، وارتجاء الرحمة ممن لا يطاع حمق وجهالة. قال الحسن البصرى: يقول الله يوم القيامة: جوزوا الصراط بعفوى، وأدخلوا الجنة برحمتى، واقتسموها بأعمالكم، والصراط موضع الحساب، سمى لأنهُ محل لمرصد الدين المستقيم وكانت رابعة العدوية تنشد:

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجرى على اليبس