التفاسير

< >
عرض

لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ
٢٨
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ }: يتخذ مجزوماً بلا الناهية وكسر للساكن بعده، ربما اتخذ المؤمن من الكفار ولياً يحبه، ويشاوره ويساره ويكرمه لقرابة، أو صداقة جاهلية، أو لكونه ينفعه ذلك الكافر، أو يرجوه فيه المنفعة أو يركن ذلك الكافر وينصره ويعظمه، وهو فى ذلك كله معتقد لبطلان دين الكفر، ومع ذلك نهاهم الله عز وجل عن تلك الموالاة، لأنها قد تجر المؤمن إلى تحسين سيرة الكافر ودينه، وذلك مخرج عن الإسلام، لأن الموالى للكافر بالرضا لدينه وتصويبه كافر.
وأما معاشرته الجميلة بحسب الظاهر، فجائزة، وقيل المراد فى الآية: النهى عن الاستعانة بالكفار فى الغزو وأمور الدين، والأولى عموم ذلك كله.
وروى أن عبادة بن الصامت رضى الله عنه، كان له حلفاء من اليهود فقال يوم الأحزاب: يا رسول الله إن معى خمسمائة من اليهود، وقد رأيت أت أستظهر بهم على العدو، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما: كان الحجاج بن عمرو وابن أبى الحقيق وقيس بن زيد وكعب بن الأشرف وهم من اليهود يبطنون بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة بن المنذر، وعبد الله بن جبير، وسعيد ابن خيثمة لأولئك النفر اجتنبوا هؤلاء اليهود لا يفتنوكم عن دينكم فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم فأنزل الله عز وجل هذه الآية. وقال قوم: نزلت فى حاطب ابن ابى بلتعة وغيره ممن كان يظهر المودة لكفار مكة ويكاتبهم. وقيل: كان المنافقون كعبد الله بن أبى يباطنون اليهود ويأتونهم بالأخبار ويرجون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهى الله المؤمنون أن يفعلوا مثل ما يفعل هؤلاء المنافقون.
{ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ }: ليس المراد النهى عن قصر الموالاة على الكافرين فتجوز موالاة الكفار لمن والى المؤمنين، بل النهى عن موالاة الكفار مطلقاً لمن والاهم وحدهم أو والى معهم المؤمنين، بل فى الآية إشارة إلى أن من والى الكفار فقد عادى المؤمنين ولو كان يوالى المؤمنين فى زعمه، لأن موالاة الكفار معاداة للمؤمنين وأشارة إلى أن فى موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكفار كما تقول: كيف تأكل طعام فلان وعنك طعام غيره؟ وقرر الإشارة بقوله:
{ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِى شَىْءٍ }: أى ومن يفعل ما ذكر من موالاة الكفار، فليس من ولاية الله فى شىء، يصح أن يسمى ولاية له تعالى، ولو كان فى زعمه يوالى الله والمؤمنين، كتب صديق إلى صديقه فى جملة ما كتب إليه أنهُ من والى عدوك فقد عاداك، ومن عادى عدوك فقد والاك..وقال الشاعر:

تود عدوى، ثم تزعم أننى صديقك ليس النوك عنك بعازب
فليس أخى من ودنى رأى عينه ولكنه أخى من ودنى فى المغايب

والنوك: الحمق، والمعازب: البعيد.
و{ فِى شَىْءٍ }: خبر ليس، و{ مِنَ اللهِ }: حال من شىء، وهو من تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف غير زائد، والجمهور على أن ذلك غير مقيس، بل يخفض، وفيه كذلك تقديم الحال على عاملها المعنوى، وهو قوله: { فِى شَىْءٍ } النائب عن لفظ استقر أو مستقر أو نحوهما، وقد يقال: ناصبه نحو استقر، يقدر مقدماً عليه ولك أن تجعل { مِنَ اللَّه } خبر ليس، و{ فِى شَىْءٍ } خبراً ثانياً أو متعلقاً بما تعلق به الأول، أو فيهِ أو بمحذوف حال من المستكن فيه فيكون المعنى ليس من أهل دين الله فى شىء ما منه بأن بطل عمله.
{ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةَ }: تتقوا بمعنى تخافوا، وتقاة: مفعول به بمعنى ما يتقى من المضرات، فهو مصدر بمعنى مفعول، أو تتقوا على ظاهره: بمعنى تحذروا، و{ تُقَاة } مفعول مطلق إلا أن تتقوا منهم اتقاءاً، فهو اسم مصدر اتقى، ومن للابتداء متعلق بتتقوا، ويحتمل أن يكون منهم حالا من تقاة بمعنى ما يتقى، أى لا تجعلوا ذلك إلا لأجل تخوفكم أمراً ينفى كائناً من جهتهم، وعلى كل حال رخص الله تعالى إذا غلب الكافرون أن يداريهم المؤمن بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، كما
"روى أن المشركين أخذوا عماراً فلم يدعوه حتى سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير، فلما جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله ما أرانى إلا هلكت.. فأخبره. قال كيف تجد قلبك؟ قال مطمئن بالإيمان. قال: فإن عادوا فعد" ، وقال عيسى عليه السلام: كن وسطا، وامش جانباً. أى كن ما بين الناس ظاهراً، وامش جانباً من موافقتهم فيما يأتون ويذرون. وقيل: معناه لا تجانب معاشرتهم، ولكن جانب الخوض فى أمورهم. وقيل: ليكن جسدك مع الناس، وقلبك مع الله عز وجل وأمر التقية مستمر. قال الحسن: لكم التقية باللسان والقلب مطمئن بالإيمان، وذلك مثل أن يلقى من الحجاج وغيره، وقال سعيد بن جبير: لا تقية حين قوى الإسلام ولو مثل الحجاج، ولكن التقية فى الحرب فقط، وذكر بعض أن التقاة فى الآية، صلة الرحم المشرك، وقرأ يعقوب تقية.
{ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ }: أى معاصى نفسه، أو عقابه، ومنها موالاة الكافرين، قال ابن عباس والحسن: يحذركم الله عقابه، وذكر النفس تأكيداً فلا يكثر المؤمن بالكافر، حيث لا يعذر فإن عذاب الله لا يطاق ولا يزول.
{ وَإِلَى اللَّهِ }: لا إلى غيره.
{ الْمَصِيرُ }: بالبعث فلا يفوت العقاب.