التفاسير

< >
عرض

نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ
٣
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ نَزَّلَ عَليْكَ }: الخطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
{ الكِتَابَ }: أى القرآن شيئاً فشيئاً كما تدل عليه التعدية بالتشديد.
{ بالحَقِّ }: أى بسبب الحق العدل فى العقائد والأخلاق وهو متعلق بنزل، والباء سببية، ويجوز أن تكون المعنى بالصدق فى أخباره أو بالحجج المحققة أنه من عند الله فيعلق بمحذوف حال من الضمير فى أنزل أو من الكتب.
{ مُصَدِّقاً }: حال من الكتاب.
{ لِّمَا بَيْنَ يَدَيْه }: لما تقدم نزوله عليه، فكان حاضراً عنده، كحضور الشىء بين يدى إنسان وهو التوراة والإنجيل وغيرهما، مما نزل قبل القرآن، فإن القرآن مصدق لما سبقه لا مكذب لهُ، ولا مخالف لهُ، وكم من أحكام شرعية، وأوصاف لسيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن، مذكورة فى الكتب المتقدمة، جاء القرآن على طبقها.
{ وأنْزَلَ التَّوْرَاةَ والإنْجِيِلَ }: جملة، لا شيئاً فشيئاً، كما دل عليه التعدية بالهمزة، لا بالتشديد: على موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وأخلص غير نافع وحمزة، فتحة راء التوراة إلا أبا عمرو، وابن ذكوان، والكسائى، فيكسرها وذلك قراءة فى جميع القرآن، وروى عن قالون إخلاص الفتح، والمشهور عنه الإمالة عن نافع، التوراة والإنجيل: اسمان أعجميان عبرانيان، لا يدخلهما اشتقاق ولا تصريف، وقيل: مشتقان من الورى، والنجل، يقال: ورى الزند، أى: خرجت ناره، ووريته بالتشديد، وأوريته: أخرجتها.
كذلك التوراة التى أنزل الله فيها ضياء، يخر به من الضلال إلى الهدى. ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء، هذا قول الفراء الجمهور، وقال الفراء: وزنه تفعلة بكسر العين: أصله تورية قلبت الكسرة فتحة، فقلبت الياء ألفاً، لتحركها بعد الفتح، وذلك لغة طىء؛ إذ قالوا فى ناصية ناصاه، وفى جارية جاراه، وفى ناجية ناجاه، وقيل: وزته تفعلة بفتح العين فلبت الياء ألفاً، بتحركها بعد فتح. والنجل: الأصل، يقال: لعن الله ناجليه، أى والديه، والإنجيل الذى أنزل الله أصل مرجوع إليه فى ذلك الدين، قبل نزول القرآن، وقيل: مشتق من النجل بمعنى الاستخراج، كما يقال للماء الخارج من البئر: نجل، وكما يقال للولد: نجل، والإنجيل مستخرج من اللوح المحفوظ، فالنجل يطلق على الأصل والفرع، وقيل: من النجل الذى هو سعة العين، يقال: عين نجلاء، إذ فى الإنجيل توسعة ليست فى التوراة، لأنه أحلت فيه أشياء فحرمت فى التوراة. قيل: الإنجيل وزنهُ إفعيل، وقرأ الحسن: والأنجيل - بفتح الهمزة - وهو دليل العجمة، لأنهُ ليس فى الأوزان العربية أفعيل بفتحها، والعجب لمن يتعمد إلى لفظ عجمى، فيعمل فيه الاشتقاق والتصريف.