التفاسير

< >
عرض

إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٣٥
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِذْ قَالَتِ إمْرَأَةُ عِمْرَانَ }: حنة بنت فاقودا أم مريم، وعِمْران هو والد مريم، الذى بينه وبين عمران أبى موسى ألف وثمانمائة سنة، وأبو عمران المذكور فى الآية ماتان، وكان بنو ماتان رءوس بنى إسرائيل فى ذلك الزمان وأحبارهم وملوكهم.
و{ إذ } مفعول لمحذوف، واذكر إذ قالت، أو ظرف متعلق بعليم، أو سميع، فيقدر للآخر مثله، وقيل: تنازعا فيهِ، ولا يتم فى هذا إلا على قول من أجاز رد الضمير للظرف، ونصبه على الظرفية، فيقدر لأحدهما ضمير منصوب عائد إلى { إذْ } بما أضيفت إليه، وقيل: يقدر بفى، وكان لعمران أبى موسى ابنة اسمها مريم أكبر من هارون، وكان هارون أكبر من موسى، فظن بعضهم أن المرأة فى الآية زوجة عمران أبى موسى، وأنه عمران أبو موسى عليه السلام، وليس كذلك، لأن مريم المذكورة فى السورة كفلها زكريا، وكان زكريا فى عصر ماتان أبى عمران والد مريم، وتزوج زكريا ابنة ماتان، واسمها إيشاغ، وولدت لهُ يحيى فكان يحيى وعيسى ابنى خالة، من الأب، كما فى الحديث، وكانت امرأة عمران حنة عاقراً عجوزاً، فبين ما هى فى ظل شجرة، إذ رأت طائراً يطعم فرخه، فحنت إلى الولد وتمنته، فقالت: اللهم إن لك على نذراً شكراً إن رزقتنى ولداً أتصدق به على بيت المقدس فيكون من خدمه، فحملت بمريم، وهلك عمران وهى حامل، وأطلقت فى نذرها ولم تقيده بالذكر، كما فى قوله تعالى:
{ رَبِّ إِنىِّ نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى مُحَرَّراً }: مخلصاً من خدمتى لا أشغله بشىء. قال الشعبى: ومخلصاً للعبادة، ولم تقل من فى بطنى، لاعتبار الصفة من الذكورة والأنوثة، وهما غير عالمين، ويحتمل أن تكون بنت الأمر على تقدير أن يكون ذكراً، أو طلبت ذكراً، ونذرت على أن يكون ذكراً، ومع هذا فهى لا تحقق الذكورة، ولا الأنوثة، وكانوا لا يستخدمون لبيت المقدس إلا الذكور، لما يصيب النساء من الحيض، وكان النذر بالذكر عندهم مشروعاً لبيت المقدس، وكان فى دينهم أن الولد، إذا كان بحيث يمكن استخدامه فلهم استخدامه لأنفسهم، وهو حق لهم، فكانوا بالنذر يتركون هذا الحق فيستخدمونه لبيت المقدس، وإذا بلغ خير بين أن يذهب حيث شاء، أو يقيم على خدمته، وإن اختار الإقامة لم يجد الذهاب، ولم يكن نبى من بنى إسرائيل، ولا عالم إلا ومن أولاده محرر لبيت المقدس، و{ مُحَرَّراً }: حال من { ما }.
{ فَتَقَبَّلْ مِنِّى }: ما نذرته، وسكن الباء غير نافع وأبى عمرو.
{ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ }: لقولى.
{ الْعَلِيمُ }: بنيتى.