التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ
٤٢
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَإِذْ }: عطف على إذا، ويستأنف باذكر محذوف.
{ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ }: جبريل، وفيه ما مر كله فى قوله
{ فنادته الملائكة } ويقوى أن المتكلم لها جبريل، قوله تعالى: { فأرسلنا إليها روحنا.. } الآية.
{ يامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَآءِ الْعَالَمِينَ }: كلمها الملائكة بألسنتهم بلا واسطة، وذلك كرامة لها من الله جل جلاله، لأن الصحيح ثبوت كرامة الأولياءن وليست بنبيه، لأنه ليس كل من تكلم له ملك نبياً، وكم ولى وكافر تكلم له نبى، ولا نبية فى النساء، قال الله عز وجل:
{ { وما أرْسَلْنَا قَبْلَكَ إلاَّ رِجَالاً نوحى إليهم } والنبوة كالرسالة، وذلك بإجماع الأمة إلا خلافاً شاذاً، فى نبوة النساء. وقيل: قول الملائكة لها إلهام، كقوله تعالى: { { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } وأنكرت المعتزلة كرامة الأولياء، فقال الكعبي: منهم ذلك إرهاص لرسالة عيسى عليه السلام، وهو تقدم ما يشبه المعجزة على دعوى النبوة، كإظلال الغمام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكلم الحجارة له، وقال الجمهور منهم: إن ذلك معجزة لزكريا عليه السلام، قيل: معنى الاصطفاء الأول اصطفاؤها بتقبلها صغيرة، وبقبولها منذورة محررة، ولم يحرر قبلها أنثى فى ذلم الباب، ويبعث رزقها من الله من جنته، وكفالة نبى الله زكريا عليه السلام، وتفريغها للعبادة، ومعنى الاصطفاء الثانى أن الله وهب لها عيسى عليه السلام من غير اب، وأسمها كلام الملائكة وجعل ابنها آية للعالمين، وتبرئتها مما قذفتها اليهود بإنطاق الطفل، وهدايتها. والذى عندى: أن ذلك كله هو الاصطفاء الأول، وحاصلة ما ليس نفي عبادة إلا الهداية. والثاني: هو توفيقها للعبادة الكثيرة، وتصفية قلبها أخبرها أنه يوفقها لذلك، وصفاء القلب.
ومعنى { طهرك } أنه طهرها من مسيس الرجال، والحيض فإنها لا تحيض وما يستقذر من الأفعال، وقيل: طهرك من الذنوب، وقيل: ما رمتها به اليهود، وعن الحسن: طهرك من الكفر، وقال مجاهد: جعلك طيبة أيما وعنه طهرك مما يصم النساء فى خلق أو خلق أو دين، وقال الزجاج: قد جاء التفسير أن معناه طهرك من الحيض والنفاس.
والمراد بـ { الْعَالَمِينَ }: عالو زمانها أو على غير فاطمة وخديجة، رضى الله عنهما، وآسية. وعن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"سيدة نساء العالمين: مريم، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية" وهذا يدل على ترتيبهن فى الفضل، هكذا وإن مريم فضل نساء بنى آدم. وعن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلدن وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وآسية امرأة فرعون" . وهذا فيه نص على أن الأربع أفضل نساء الدنيا، ولم يذكر فيه التفضيل بينهنن وكذلك روى على بن ابى طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير نسائهما مريم بنت عمران وخير نسائهما خديجة بنت خويلد" قال: وكيف ضمير الاثنين للسماء والأرض، أى: خير نساء بين السماء والأرض، والظاهر تفضيلهما على نساء مطلق، وسكت عن التفضيل بينهما، فمسكوت عنه، وعن أبى موسى الأشعرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل ن النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" ، فهذا الحديث دل على تفضيل مريم وآسية على فاطمة وخديجة كغيرها، وعلى تفضيل عائشة رضى الله عنها على مريم وغيرها من نساء الدنيا، وهذا ظاهر فيه متبادر، ولو احتمل تفضيل عائشة رضى الله عنها على نساء زمانها.