التفاسير

< >
عرض

هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٦٦
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ }: { ها } حرف تنبيه، نبههم الله جل جلاله على حماقتهم فى جدالهم، فيما لا علم لهم به، وقيل: أصله أأنتم على الاستفهام التعجيبى من حماقتهم، أبدلت الهمزة هاء، ووسطت الألف بين همزة الاستفهام، وهمزة أنتم للفصل بينهما، كما هو مذهب قالون وهشام وأبى عمرو فى الهمزتين المفتوحتين، إذا تلاصقتا فى كلمة واحدة، وكان نافع وأبو عمرو يقرآن هاأنتم حيث وقع بالمد من غير همز، وورش أقل مدا، وقنبل بالهمزة من غير ألف بعد الهاء، والباقون بالمد والهمز، والبزى يقصر المد على أصله. قال أبو عمرو الأندلسى الدانى: الهاء على مذهب أبى عمرو وقالون وهشام يحتمل أن تكون للتنبيه، وأن تكون مبدلة من همز، وعلى مذهب قنبل وورش لا تكون إلا مبدلة، وعلى مذهب الكوفيين والبرى وابن ذكوان لا تكون إلا للتنبيه، وميز بين المنفصل والمتصل فى حروف المد، لم يزد فى تمكين الألف، سواء حقق الهمزة بعدها أو سهلها، ومن جعلها مبدلة، وكان ممن يفصل بالألف، زاد فى التمكين، سواء حقق الهمزة، أو لينها، وهذا كله مبنى على أصولهم، ومحصل من مذاهبهم، وأنتم مبتدأ وهؤلاء خبره أشار إليهم باعتبار شهرتهم بالحماقة، كأنه قيل: ها أنتم هؤلاء الحمقى، كما تقول للرجل: أنت هو، أو أنت ذلك، أى المشهور بكذا، وبين حماقتهم بقوله { حاججتم فيما لكم به علم } مع محذوف دل عليه { فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم }: تقديره حاججتم فيما لكم به علم، وفيما ليس لكم به علم والذى لهم به علم هو ما فى التوارة والإنجيل، اللذين من الله. وجدالهم به: زعمهم أنهما دين إبراهيم، وأن دينه يخالف لدين محمد فقد أخطأوا أيضاً فى جدالهم فيما لهم به علم، إذ زعموا أنه دين إبراهيم لأن دين إبراهيم هو دين محمد صلى الله عليه وسلم، لا ما خالفه مما هو فى التوراة والإنجيل ولأنه ليس فى عصرهم يسمعون منه، ولإقامة الحجة لهم بذلك، والذى ليس لهم به علم هو شريعة إبراهيم، مما ليس فى التوراة، ولا جاءت به رسلهم، ويحتمل أن يكون ما لهم به علم ما يزعمون، أنه حق من كتبهم، وليس من الله فهو علم على ادعائهم لا تحقيقاً. قال الحسن: ما لكم به علم ما فى زمانكم وأدركتموه وقيل: الذى لهم به علم هو أمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لأن أمر بعثته وبيان نعوته مذكور فى كتبهم، فهم يجادلون فى أمره مع علمهم به، وما ليس لهم به علم، هو دين إبراهيم، وما ذكرته أولا هو ما عليه قتادة والسدى والربيع بن أنس، وجماعة كثيرة.
و{ حاججتم } مستأنف أو خبر ثان، أو هو الخبر { هؤلاء } منادى لمحذوف، إذا قلنا بجواز حذف حرف النداء مع اسم الإشارة. وقال الكوفيون بجواز أن يكون هؤلاء اسما موصولا، وحاججتم صلته، أى: هاأنتم الذين حاججتم، وبه: متعلق بعلم بعده فى الموضعين وباوه للإلصاق، أو متعلق بما تعلق به الجار قبله، والباء ظرفية.
{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ }: حقيقة ما حاججتم فيه.
{ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }: أنتم جاهلون به، أو من شأنكم الجهل مطلقاً.