التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ
٨١
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ }: أى واذكر يا محمد، أو اذكروا يا أهل الكتاب، الأول للزجاج، والثانى للطبرى. وقيل: يتعلق بقال من قوله عز وجل { قَالَ أقَرَرتُمْ } ويجوز عطفه على إذ قبله، وأخذ الميثاق على النبيين حين خرجوا عليهم السلام من ظهر آدم كالدر بيضا وأخذ كل نبى حين بعثه الله وهو أولى أو فى الحينين.
{ لَمَآ آتَيْتُكُم }: وقرأ نافع: لما آتيتكم بالتاء.
{ مِّنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ }: اللام موطئة للقسم، وهى للتأكيد، لأن الميثاق حلف، وأخذه تحليف، ولا يلزم من كون اللام موطئة أن تدخل على إن الشرطية، بل ذلك غالب لا لازم، وما شرطية مفعول أول لآتينا، والكاف مفعول ثان، وجملة { لَتُؤمِنَنَ بِهِ } جواب القسم، لتقدمه أغنى عن جواب الشرط، أو قد حذف لدلالته، تقديره: تؤمنوا به أى بما آتيناكم وهو من الشرط الذى لم يعد إليه الضمير من الجواب، ولا سيما أن اسم الشرط هنا ليس مبتدأ، ومنى وقع مبتدأ ولم يكن ضميره فى الجواب قدره من يقول أن الخبر جوابه، ويحتمل أن تكون ما موصولة مبتدأ، ورابط الصلة محذوف أى لما آتيناكموه، أو آتيناكم إياه، وخبرها محذوف دل عليه جواب القسم، وهو قوله { لَتُؤمِنَنَ بِهِ } تقديره: تؤمنون به، أى بما آتيناكم، وإما الهاء فى لتؤمنن به، فللرسول، ويجوز عودها لما آتيناكم، وإما لتنصرنه فى نهاؤه للرسول، ويجوز أن يكون قسم محذوف، هو وجوابه خبر لمن، أى والله لتؤمنن به ولتنصرنه، فيكون لفظ الميثاق، ولم يؤت له بجواب، أو من موصولة مفعول لجواب الميثاق، وهو محذوف أى لتبلغن ما آتيناكم، ويقدر لقوله لتؤمنن به قسم آخر، أى والله لتؤمنن به، ومن كتاب نعت لما الشرطية، إذا جعلت شرطية، أو حال منها، لعمومها، أو حال من رابط الموصولة المقدر، إذا جعلت موصولة وإذا جعلت موصولة فقوله تعالى:
{ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ }: معطوف على الصلة فكأنه صلة فلا بد لهُ من رابط، فإما أن يحذف للعلم به مع طول الكلام، أى ثم جاءكم به رسول مصدق لما معكم، وإما أن يربط الموصول بما، من قوله: لما معكم، فإن قوله لما معكم صادق على قوله: لما آتيتكم، وقرأ حمزة: لما آتيناكم بكسر اللام، فتكون حرف جر، وتعليل متعلقة بآخر أخذ وما مصدرية أو اسم موصول، وربط الصلة والمعطوف عليها على حد ما مر، وقرأ سعيد بن جبير: لما أتيناكم بفتح وتشديد الميم، فأما حرف وجود لوجود، أو ظروف بمعنى حين، وجوابها محذوف دل عليه جواب القسم، أى وجب عليكم الإيمان به ونصرته، أو الأصل لمن ما آتيناكم بفتح اللام والميم، وهى من الموصولة، أو الشرطية والصلة، أو الشرط محذوف، وما مفعول لهذا المحذوف، واللام للابتداء، أو للتوطئة، ومن مبتدأ والتقدير لمن أجَلَّ بفتح الهمزة والجيم واللام المشددة بمعنى عظم، أبدلت نون من ميماً فأدغمت، فحذفت إحدى الميمات الثلاث وهى هذه المبدلة، من النون اشتغالا، والخبر محذوف، دل عليه جواب القسم.
أى تؤمنون به، وتنصرونه، ومن واقعة على الرسول، وهو المراد برسول أيضاً فى قوله: ثم جاءكم رسول، ذكر أولا بلفظ من، ثم ذكر بظاهر آخر، وهو لفظ رسول أى من عظم ما آتيناكم من كتاب وحكمة، وصدق ما معكم يا معشر الأنبياء ممن هو رسول مثلكم بعدكم تؤمنون به.
{ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ }: بالمال والجهاد، والكلام على أعدائه وذلك الرسول أخذ الله الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا به وينصروه، هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ووصفه لهم وإذا أخذ عليهم الميثاق، فقد أخذه على أممهم إذ لزم الأمم اتباع أنبيائها، واعتقاد ما اعتقد أنبياؤها، وأيضاً إنما ينصر الأنبياء النبى بأممهم، لا وحدهم فى الجهاد، قال ابن عباس: أخذ الله العهد على الأنبياء، وأممهم، فى أمر محمد صلى الله عليه وسلم، واكتفى بذكر الأنبياء، لأن العهد مع المتبوع، عهد مع الاتباع. قال على بن أبى طالب ما بعث الله نبينا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد فى أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وأخذ هو العهد على قومه، ليؤمنن به، ولئن بعث وهم أحياء لينصرنهُ وقال البغوى: ذلك حين خرجوا من آدم كالدر، وعن الحسن: أخذ الله على الأنبياء أن يؤمنوا به، ولا نبى بعده، فأخذ عليه أن يؤمن بهم، وقال قتادة والسدى: أخذ الله الميثاق على أهل الكتاب الذين أرسل إليهم النبيين، ويدل له قوله: ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم، وإنما أرسل صلى الله عليه وسلم إلى أهل الكتاب دون النبيين، وأطلق لفظ النبيين عليهم، لأنهم يقولون نحن أولى بالنبوة من محمد صلى الله عليه وسلم، لأنا أهل الكتاب والنبيون منا وتهكما عليهم باسم النبيين، أو يقدر مضاف، أى ميثاق أولاد النبيين، والرسول على القولين: وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال سعيد بن جبير والحسن وطاووس معنى الآية أن الله عز وجل أخذ على كل نبى ميثاقاً أن يصدق بالنبى الذى يجىء بعده مثل أن يؤمن داود بسليمان ويؤمن عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم، وميثاق فى كل ذلك مصدر مضاف لمن أعطى من نفسه الميثاق، وقيل: مضاف لمن أخذه، أى وإذا أخذ الله الميثاق الذى أخذه الأنبياء على أممهم.
{ قَالَ }: الله لأنبيائه أو لأممهم على لسان أنبيائهِ.
{ أَأَقْرَرْتُمْ }: بالإيمان به، والنصر لهُ.
{ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذلِكُمْ إِصْرِى }: أى عهدى، سمى العهد إصراً لثقله بوجوب الوفاء، أو لأنه يؤصر أى يشد، ويعقد، يقال أصره بالهمز والتخفيف يعنى صره بتشديد الراء بلا همز قبل الصاد، وقرأ أبو بكر عن عاصم: { أصرى } بضم الهمزة لغة فى المكسور، أو جمع إصار كإزار، وأزر والإصار ما يشد به.
{ قَالُواْ أَقْرَرْنَا }: بالإيمان والنصر.
{ قَالَ فَاشْهَدُواْ }: أى اشهدوا على أنفسكم معشر الأنبياء فى إقراركم أو قالوا عن أممهم، أقررنا، فقال الله جل وعلا، فاشهدوا على أممكم، أو اشهدوا على أنفسكم وأممكم، الذين أخذتم ميثاقهم، والعطف على محذوف أى دوموا على إقراركم، فاشهدوا، وقيل الخطاب فى: فاشهدوا للملائكة.
قال سعيد بن المسيب: أمر الله الملائكة أن يشهدوا على الأنبياء.
{ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشَّاهِدِينَ }: أشهد عليكم وعلى أممكم معكم، يا أنبيائى، وأنا معكم با ملائكتى من الشاهدين على أنبيائى، أو عليهم وعلى أممهم، أو على أممهم وهذا توكيد عظيم، وتحذير من نقض الشهادة، وفسر بعضهم الشهادة فى الموضعين بالعلم. وفسر بعض شهادة الله هنا: بإعطاء المعجزات.