التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
١٢
-لقمان

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ } قال محمد بن اسحاق هو لقمان بن باعوراء بن تاروخ وهو آزر وقيل هو ابن ناصر بن آزر فلقمان من اولاد آزر وقال وهب كان ابن اخت ايوب عليه السلام وقيل ابن اخيه وقال مقاتل كان ابن خالة ايوب وقيل هو ابن عثمان بن بشرون وقال مجاهد كان عبدا اسود عظيم الشفتين مشقوق القدمين.
قيل كان قريبا من سودان مصر وقيل كان من النوبة.
وعن خالد كان عبدا حبشيا نجارا وعن سعيد بن المسيب كان خياطا من سودان مصر وفي رواية عنه كان نوبيا مشقوق الرجلين عظيم الشفتين وكذا روي عن ابن عباس وجماعة وروي انه كان راعيا.
وعن الاوزاعي عن عبدالرحمن بن حرملة ان اسود جاء الى سعيد بن المسيب فقال له: لا تحزن من اجل انك اسود فانه من خير الناس ثلاثة من السودان بلال ومهجع مولى عمر بن الخطاب ولقمان الحكيم قيل ورابعهم النجاشي وكان لقمان قاضيا في بني اسرائيل وروي انه عاش الف سنة وقال ابن العماد انه عبد البلخشخاش يعني انه عبد لانسان من بني الخشخاش روي ان داود عليه السلام ادركه واخذ عنه العلم وكان يفتي ويقضي بين بني اسرائيل قبل مبعث داود عليه السلام ولما بعث داود قطع الفتوى فقيل له؟ فقال: ألا اكتفى اذا كفيت واتفق العلماء على انه كان حكيما ولم يكن نبيا الا عكرمة فانه قال: كان نبيا انفرد بهذا القول.
وعن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" حقا أقول لكم لم يكن لقمان نبيا ولكن كان عبدا حبشيا كثير الصمت والتفكر حسن اليقين أحب الله فأحبه فمنّ عليه بالحكمة "
. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لم يكن لقمان نبيا ولا ملكا ولكن كان راعيا اسود فرزقه الله العتق ورضي قوله ووصيته فقص امره في القرآن لتمتسكوا بوصيته.
وقال جار الله: القائل بنبوته عكرمة والشعبي.
وروي انه عبد يحتطب لمولاه كل يوم حزمة قيل خيّر لقمان بين الحكمة والنبوة فاختار الحكمة وهو بعيد بأن الحكمة قطرة من بحر النبوة وليس من الحكمة ان يختار الحكمة المجردة عن النبوة وروي انه كان نائما نصف النهار اذ جاءه نداء: يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس بالحق فأجاب الصوت فقال: ان ربي خيرني قبلت العافية ولم اقبل البلاء وان عزم عليّ فسمعا وطاعة فاني اعلم ان فعل بي اعانني وعصمني فقالت الملائكة بصوت لا يراه: لم يا لقمان؟ قال: لأن الحاكم باشر المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان ان عدل فبالأحري ان ينجو وان أخطأ أخطأ طريق الجنة ومن يكون في الدنيا ذليلا خير ممن يكون عزيزا ومن يختر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا والآخرة.
فعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه يتكلم بها ثم نودي داود عليه السلام بالخلافة فقبلها ولم يشترط ما ا شترط لقمان.
قيل وهذه خطيئة عفا الله عنه وغفرها له.
وكان لقمان يؤازره بحكمته وقال له يوما: طوبى لك يا لقمان أُعطيت الحكمة وصُرفت عنك البلوى وأعطي داود الخلافة وابتلي بالبلية والفتنة.
وقيل كان بعد داود.
وقيل بين عيسى ونبينا عليهم الصلاة والسلام ومن زعم انه عاش الف سنة واهم وكأنه اختلط عليه بلقمان بن عاد واستدل بعض على جواز نبوة العبد بأن لقمان عبد وكان نبيا.
{ الحِكْمَةَ } العقل والعلم والعمل به والإصابة في الأمور.
وقيل: العقل والفهم.
وقيل العلم والعمل به ولا يسمى رجل حكيما حتى يجمعهما.
وقيل: المعرفة والإصابة في الأمور.
وقيل: الحكمة شيء يجعله الله في القلب ينور فيبصر به كما يبصر بالبصر.
وقيل: هي في عرف العلماء استكمال النفس الإنسانية باقتباس العلوم النظرية واكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها.
قال عكرمة: كان لقمان عند سيده أمينا فبعثه مولاه في رقيق له على بستان له يأتونه من ثمره بشيء فجاءوا وليس معهم شيء وقد أكلوا الثمر وأحالوا على لقمان فقالوا لسيدهم: إن ذا الوجهين لا يكون عند الله أمينا. قال: اسقني وإياهم ماءً ثم أرسلنا نتقيأ فتعرف. ففعل فجعلوا يتقيئون تلك الفاكهة ولقمان يتقيأ ماءً فعرف صدقه وكذبهم.
وقال: وأول ما روي من حكمته أنه كان مع مولاه فدخل مولاه الخلاء فأطال فيه الجلوس فنادى لقمان طول الجلوس على الخلاء ينجع منه الكبد ويورث الباسور ويصعد الحرارة الى الرأس فأجلس هويناً. فخرج وكتب حكمته وسكر مولاه يوماً فخاطر قوما على أن يشرب ماء البحيرة فلما أفاق عرف ما وقع فيه فدعا لقمان فقص عليه فقال: اخرج نحوسك وقدورك وأباريقك ثم إجمعها ولما اجتمعت قال لقمان: على أي شيء خاطرتموه؟ قالوا: على أن يشرب ماء هذه البحيرة قال: فان لها مواد فاحبسوا موادها عنها حتى يشربها قالوا وكيف نستطيع ان نحبس موادها؟ قال لقمان: كيف يستطيع شربها ولها مواد؟
وعن خالد الربعي انه قال سيده له: اذبح لنا شاة فذبح فقال له: ألق أخبث مضغة فرمى باللسان والقلب وأتاه بها وقيل قال له: ائتني بأخبث مضغة فيها فأتاه بهما وأمره مرة أخرى وقال له: ائتيني بأطيبها فأتاه باللسان والقلب فقال له: أمرتك ان ترمي أخبثها فرميت اللسان والقلب وأمرتك أن تأتي بأطيبها فأتيت بهما فقال له: لا أطيب منهما اذا طابا ولا أخبت منهما إذا خبثا.
وقال الشيخ هود: هذه أول ما عرف من حكمته.
وعن محمد بن عجلان قال لقمان: ليس حال كصحة البدن ولا نعيم كطيب النفس.
وعن ابي هريرة: مر رجل بلقمان والناس يجتمعون عليه يتكلم بالحكمة فقال: ألست العبد الأسود الذي كان يرعى غنما بموضع كذا وكذا؟ وروي ان هذا الرجل كان راعيا ايضا معه، قال: بلى. قال لقمان: ما بلغ بك ما ارى؟ قال: صدق الحديث وأداء الأمانة وترك مالا يعنيني.
وعن عبدالرحمن بن دينار ان لقمان قدم من سفر فلقي غلاما في الطريق فقال: ما فعل ابي؟ قال: مات. قال: الحمد لله ملكت امري قال: ما فعلت امرأتي؟ قال: ماتت قال: جدد فراشي قال: ما فعلت اختي؟ قال: ماتت. قال: سترت عورتي قال ما فعل أخي؟ قال: مات قال: انقطع عضدي.
وقيل له: أي الناس أشر؟ قال: الذي لا يبالي ان يراه الناس مسيئا.
وقيل له: ما اقبح وجهك؟ فقال: أتعيب بهذا على النقش او على النقاش؟
وقال لرجل ينظر اليه: ان كنت تراني غليظ الشفتين فانه يخرج من بينهما كلام رقيق وان كنت تراني اسود فقلبي أبيض، ودخل علي داود وهو يسرد الدرع وقد لين الله له الحديد كالطين فأراد ان يسأله فأدركته الحكمة فسكت فلما اتمها لبسها فقال: نعم لبوس الحرب انت فعلم لماذا يصنع ذلك فقال: الصمت حكم وقليل فاعله، فقال له داود: بحق سميت حكيما.
وقيل صحب داود شهرا وهو يسرد الدرع ولم يسأله ولما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس الحرب انت فقال: الصمت حكمة وقليل فاعله، وقال له داود عليه السلام: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت في يدي غيري.
{ أَنِ اشْكُرْ للهِ } أن مفسرة لان إيتاء الحكمة في معنى القول والحكمة دائرة على الشكر وجميع العبادات داخلة فيه والحكمة الأصلية والعلم الحقيقي هما العمل وعبادة الله والشكر ونية الله على ذلك حيث فسر ايتاء الحكمة بالبعث على الشكر وزعم بعض ان دخول ان المصدرية غير المخففة على الطلب جائز فزعم ان هذه مصدرية ولام الجر والباء مقدرة قبلها وقد يستدل لصحته بجواز دخول المخففة عليه.
{ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } لان نفعه وهو ثواب الدنيا والآخرة ودوام النعمة واستحقاق مزيدها عائد اليه.
{ وَمَن كَفَرَ } فعليه وبال كفره.
{ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ } عن شكر الشاكرين وطاعتهم وعن غيره على الاطلاق.
{ حَمِيدٌ } حقيق بالحمد وان لم يحمده أحد أو حمده خلقه كلهم بعضهم باللسان والأعمال ولسان الحال وبعضهم بلسان الحال كالمشرك والدواب.