التفاسير

< >
عرض

لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ
٢٠
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِـيجُ فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ
٢١
-الزمر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } استدراك لمقدر أي انك ولو لم تقدر على تحصيل الايمان بمن حقت عليه كلمة العذاب لكنك قادر على تحصيله لمن وجبت له كلمة الرحمة* { لَهُمْ غُرَفٌ } أي بيوت غير مباشرة للارض بل فوق المباشرة* { مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ } فذلك علالي بعضها فوق { مَّبْنِيَّةٌ } كبناء المنازل على الأرض مسواة كتسويتها عليها في أرض الجنة أو في الهواء { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا } أي تحت الغرف السفلية والفوقية { الأَنْهَارُ } كما تجري تحت المنازل وذلك تحضيض على التقوى ومقابلة لظلل أهل النار* { وَعْدَ } مصدر مؤكد لجملة لهم غرف الخ لانها وعد فعاملها محذوف وجوباً نابت عنه الجملة نحو له عليَّ ألف اعترافاً وهو أيضاً نوعي في اضافته لا الى قوله* { اللهِ } وذلك جائز بل النوعى والعددي يدلان أبداً على التوكيد زيادة على ذلك* { لاَ يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ } أي الوعد أصله الموعد قلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة وخلف الوعد اما للشح واما لظهور أن الموعود ليس أهلاً والله جواد لا تبدو له البدوات.
قال صلى الله عليه وسلم:
"إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب ليتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" والترائي اكتساب الرؤية لبعد المرئي والدري المضيء والغابر الماضي النافذ الداخل في العلو والباقى في افق الناحية العليا في جهة السماء ووفق نبيه والأمة على معتبر من مخلوقات بقوله: { أَلَمْ تَرَ } يا محمد والأمة تابع أو يا من تأتي منه الرؤية.
{ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً } ماء المطر* { فَسَلَكَهُ } أدخله* { يَنَابِيعَ } أي مسالك ينابيع منها ومجارى أي أجراه عيوناً* { فِى الأَرْضِ } كعروق الجسد فينابيع ظرف مكان أو مفعول أو مشبه بأحدهما على الأول وحال على الثاني مجازي أو ظرف أيضاً ويجوز كونه حالاً تحقيقاً أي قنوات تابعات ويجوز كونه مصدراً أي أنبعه ينابيع كقعدت جلوساً وهو جمع ينبوع.
وعن الشعبي: كل ماء في الأرض فهو من السماء نزل، ينزل منها الى الصخر ثم يقسمه الله.
{ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ } أي هيئاته من خضرة وحمرة وصفرة وبياض ودهمة وسواد وغيرها وهذا لكونه حقيقة أولى من القول بأن ألوانه أصنافه كبر وشعير وسلت وذرة لانه مجاز ومن القول بأن المراد الهيئات والأصناف لانه جمع بين الحقيقة والمجاز* { ثُمَّ يَهِيجُ } أي ييبس.
وقال الأصمعي: يتم يبسه لانه اذا تم يبسه حان له أن يذهب ويثور عن موضعه هاج الشيء ذهب بشدة* { فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً } حادثة له الصفرة ليبسه* { ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً } مفتوتاً مكسوراً أو مفتتاً متكسراً.
{ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى } أي لتذكرة ودليلاً على أن ذلك مثل الحياة الدنيا وعلى وجود الله لأن ذلك صنعة عجيبة لابد من صانع حكيم* { لأُوْلِى الأَلْبَابِ } ولا يتذكر بذلك غيرهم وقيل الذكرى التنبيه على البعث من القبور واحياء الموتى قياساً على اخراج الزرع، والزرع كل ما يحرث وقرئ (مصفاراً) بالألف والتشديد لأن صفرته لا تدوم مثل حمار الفجر