التفاسير

< >
عرض

وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
١٢٨
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَإنِ امْرأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً }: فجعل نوبتها لعائشة كما فعلت، فأمسكها وذكر النشوز تعميما فى الحكم لسائر الخلق، والا فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينشز، وأما الاعراض فقد يمكن منه لأنه لا تجب عليه العلالة، لكنه قد التزمها، والمعنى ان توقعت امرأة من زوجها، وقيل: ظنت، وقيل: علمت ترفعا عن حقوقها لكراهتها غير مسبوق بترفع آخر، ومسبوق به، واعراضا بوجهه عنها، أو بتقليل مجالسه، وتكلم لكبر سنها أو ذمامتها فلا اثم عليهما فى أن يصلحا بينهما، بأن تترك له حقوقها وبعضها، فينبسط اليها ويشفق لها، تزوج عليها أو لم يتزوج، فامرأة فاعل لخافت محذوفا ناب عنه المذكور، المؤكد له باعتبار أقبل النيابة، وأجاز الكوفيون أن يكون امرأة فاعلا مقدما.
وأجازوا هم والأخفش أن يكون امرأة مبتدأ، والصحيح أن الفاعل لا يتقدم، وأداة الشرط لا تليها الجملة الاسمية، والبعل: الزوج، والجناح: الاثم، وأن يصالحا على تقدير فى، والأصل يتصالحا أبدلت الطاء صادا، وأدغمت فى الصاد، وصلحا مفعول مطلق اسم مصدر نائب عن مصدر تصالح.
وقال مجاهد: نزلت الآية فى أبى السائب كانت له زوجة له منها أولاد، وكانت قبيحة فهم بطلاقها، فقالت: لا تطلقنى دعنى أشتغل عندك بمصالح أولادى، وأقسم لى فى كل شهر ليالى قليلة، فقال: ان كان الأمر كذلك فهو أصلح له.
وقيل: كانت كبيرة، وأنه أراد أن يتزوج غيرها، وأنها قالت: أقسم لى فى كل شهرين ان شئت، وان شئت فلا تقسم لى، فذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فأنزل الله هذه الآية.
وقال ابن المسيب: ان سعد بن الربيع ويسمى أيضا رافع بن خديج، تزوج عمرة بنت محمد بن مسلمة، وتسمى أيضا خولة، وهى شابة، ولما كبرت تزوج عليها امرأة أخرى شابة، وفضلها وجفى عمرة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها، فنزلت الآية.
وعن عائشة رضى الله عنها: نزلت الآية فى امرأة كانت عند رجل، وأراد الرجل أن يستبدل بها غيرها، فقالت: أمسكنى وتزوج بغيرى، وأنت فى حل من النفقة والقسم، وفى لفظ آخر عنها نزلت فى المرأة تكون عند الرجل، ليس بمستكبر منها، يريد أن يفارقها فتقول: أجعلك من شأنى فى حل.
وفى الحديث: فما اصطلحا عليه من شىء فهو جائز، وقرأ الكوفيون: أن يصلحا بضم الياء واسكان الصاد وكسر اللام من أصلح يصلح اصلاحا فصلحا مفعول مطلق اسم مصدر نائب عن اصلاح، وأجيز أن يكون مفعولا به بمعنى ما يصلحانه بينهما، وأما على الوجه الأول فى قراءة الكوفيين فالظاهر أنه لا مفعول ليصلحا لعدم تعلق الغرض به، لأن المعنى أن يوقعا الاصلاح بينهما.
وقيل: يقدر له مفعول به أى أن يصلحا حالهما أن يجعل بين مفعولا به له على التوسع، والأولى فى بين فى جميع الأوجه أن يجعل متعلقا بالفعل قبله، قيل: أو لمحذوف حال من صلحا، وانما يصح على كون الحال مقدرة لا محكية ولا مقارنة، وقرىء يصلحا بتشديد الصاد والألف بعدها، والأصل يصلحا أبدلت الطاء صادا وأدغمت الصاد فى الصاد، وأصل هذه الصاد تاء.
{ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ }: من الطلاق أو من الامساك وسوء العشرة، أو من الخصومة، وانما صح التفضيل، لأن الزوج قد يعتقد أن الطلاق والاستبدال يحسنان، أو أن الامساك وسوء العشرة فيهما نفع بأن تطلب منه الفداء، وكذا الخصام، فأخبرنا الله جل وعلا بأن الصلح أفضل، فليس كما قيل: انه لا يصح التفضيل، ويجوز أن يكون خير غير صفة، بل اسم بمعنى منفعة، وال فى الصلح للعهد الذكرى اذ قال قبل ذلك أن يصالح بينهما صلحا، فهو الصلح للذى يقع بين الزوجين، ويجوز أن يكون جنس الصلح الصادق بذلك وغيره، والجملة معترضة وكذا قوله:
{ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَ }: بين قوله: { وَإنِ امْرأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً } الى { صُلْحاً } وقوله:
{ وَإِن تَحْسِنُوا وتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }: لأن قوله: { إِن تَحْسِنُوا } الخ معطوف على قوله: { إنِ امْرأَةٌ } الخ اذ المعنى أن تحسنوا العشرة، وافيتم بحقوقهن وتتقوا النشوز والاعراض، فان الله عليم بذلك علما دقيقا محيطا، أى أثابكم الله على ذلك، لأنه عالم به، فجملة أن الله00الخ تعليل قائم مقام الجواب، أو بسبب قام مقام المسبب، أو ملزوم قام مقام اللازم.
وأجاز أبو حبان أن يكون قوله: { وَالصُّلْحُ } الى:
{ { رحيما } معترضا بين قوله: { وَإنِ امْرأَةٌ } وقوله: { { وان يتفرقا } ومعنى احضار الأنفس الشح، أن الله سبحانه وتعالى قرن النفس بالشح يكون حيث كانت لا يفارقها، فهى شحيحة طبعا فاغتفر عدم تجانس الزوجين، فهو لا يسمح أن يوفيها حقوقها، أو يزيد فضلا، والحال أنه كرهها وطمحت عينه الى غيرها، وهى تأبى ترك حقها أو بعضه، والظاهر أن الأنفس مفعول ثان ناب عن الفاعل، والشح مفعول أول، فيكون ذلك من نيابة المفعول الثانى من باب أعطى لعدم اللبس اذ لا يخفى أن الشح هو الذى يحيى الى النفس، ويكون حاضرا عندها، وليس الشح مستقلا عن النفس تحيى النفس اليه، وتحضره فهو الفاعل فى المعنى فهو الذى يكون هو المفعول الأول، ولو تأخر فى باب أعطى فكأنه قيل: يصير الله الشح حاضرا للأنفس، اللهم الا أن يقال: ان النفس لما مالت الى الشح جعلت هو المفعول الأول، وكانت نائبة عن الفاعل، ثم رأيت والحمد لله فى الكشاف ما وافق ما ذكرته أولا، اذ قال: ان الشح جعل حاضرا لها لا يغيب عنها.
وروى أن عمران بن حطانرحمه الله أذم بنى آدم وامرأته من أجملهم، فأجالت فى وجهه نظرا فقالت عقب هذا النظر: الحمد لله، فقال: مالك؟ قالت: حمدت الله على أنى واياك من أهل الجنة، قال: كيف؟ قالت: لأنك رزقت مثلى فشكرت، ورزقت مثلك فصبرت، وقد وعد الله الجنة لعباده الصابرين والشاكرين.