التفاسير

< >
عرض

مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً
١٤٣
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ مًّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذّلِكَ }: اسم مفعول ذبذب، وذبذب متعد، يقال: ذبذبه أى صيره متحيرا مترددا، فالله صيرهم بالخذلان أو الشيطان بالوسوسة أو الهوى متحيرين بين ذلك، أى بين ما ذكر من الايمان والكفر، وثلاثية ذب بمعنى طرد شدد للمبالغة، فكان ذبب بتشديد الباء الأولى، فكانت ثلاث باءات، قلبت الثانية ذالا على خلاف بسطته فى شرح اللامية وغيره، فى مثل وسوس ولملم، فالمتحير المضطرب يصير كمن يلجأ الى هذا فيطرده، والى ذلك فيطرده، ولا يزال كذلك.
ومذبذب حال من واو يراءون أو منصوب على الذم أى أذم قوما مذبذبين، أو ألعن قوما مذبذبين أو نحو ذلك، أو حال من واو يذكرون على أنه معتبر قبل الا لا بعد الا لأن الا الواحدة لا تستثنى اسما واسمين بلا تبعية، وان كان النصب على الذم فتنكيره للتحقير، وقرأ ابن عباس بكسر الذال الثانية على حذف المفعول، أى مذبذبين قلوبهم أو دينهم أو رأيهم أو من ذبذب لازاما بمعنى تحير واضطرب، كصلصل بمعنى تصلصل وتناسبه أنه وجد فى مصحف ابن مسعود متذبذبين، وقرأ أبو جعفر مدبدبين بدال مهملة، أى أخذ بهم تارة فى دابة وتارة فى دابة أى طريقة.
{ لا إِلَى هَؤلآءِ }: المسلمين.
{ وَلا إِلَى هَؤلآءِ }: الكافرين، لا الأولى نافية عاطفة على مذبذبين، كقولك: ما جاء خالد لا حافيا ولا منتعلا، والمعطوف محذوف لتعلق به الى أى منسوبين الى هؤلاء ولا الى هؤلاء، والواو عاطفة ولا بعدها مؤكدة للنفى، وتنص على الكلية، ودفع لك مثل قولك: ما قام زيد ولا عمر تنفى القيام عن هذا وعن ذلك، ولو قلت: وعمرو لاحتمل ذلك، واحتمل أن تريد لم يقم كل واحد، بل قام أحدهما.
وان قلت: قد كان لهم انتساب الى المسلمين، وكذا الى الكافرين، قلت: المعنى لم ينتسبوا الى المسلمين بقلوبهم وألسنتهم وأعمالهم، بل بألسنتهم وقلوبهم دون أعمالهم أو بألسنتهم وأعمالهم دون قلوبهم، ولا الى الكافرين بذلك كله، بل بقلوبهم وقصور أعمالهم، لأن العبرة بأحوالهم بحضرة المؤمنين، وأما اذا اعتبر حالهم بحضرة الكافرين فهم مع الكافرين بالقلب واللسان والعمل، اذا خلوا بهم أن أسروا الشرك، والا فبعملهم، وينطقون أيضا معهم بكلمة الشهادة.
ويجوز أن يكون المعنى لم ينحازوا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء، وانما فسرت هؤلاء الأولى بالمسلمين، لأنهم أفضل، ويجوز العكس، وقد فسره تبغورين وأبو عماررحمه الله بالمسلمين، والثانية بالكفار كما فسرت، وكذا القاضى، ويؤيده أن المؤمنين أقرب ذكرا، قيل: ولفظ هؤلاء للقريب والمؤمنون أقرب اذ قال:
{ { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } }. { وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }: أى الهدى هدى عصمة كقوله تعالى: { ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور } وعن ابن عمر، عن النبى صلى الله عليه سلم: " "مثل المنافق كمثل الشاة العابرة بين الغنمين تعبر الى هذه مرة والى هذه مرة " أى هذه الغنم أو الى هذه الى الغنم، والعابرة المترددة، كذلك المنافق متردد قوله، يخالفه عمله أو قلبه مع المشركين وظاهره مع المؤمنين.