التفاسير

< >
عرض

وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً
٢٠
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً }: أى سميتم لإحداهن قنطاراً، فإيتاؤه: إثباته، وصلها أو لم يصلها، وذلك من عموم المجاز، فإن الإثبات واقع فى وصوله وعدم وصوله.
{ فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً }: أى إن أردتم تزوج امرأة بدل المرأة التى عندكم، وقد أتيتم إحداهن وهى التى عندكم قنطاراً فطلقوها بدون أن تأخذوا من القنطار الذى أعطيتموه شيئاً، ولو قليلا، إلا أن ردت وحدها شيئاً بطيب أو طلبت فسامحت بشىء طيباً سواء كان أخذ الشىء قهراً أو سرقة أو خيانة فى الحساب أو إنكار له، وسواء وصلها الصداق أو لم يصلها، فأمسك منه كذلك ودخل فى ذلك ما إذا نشر عنها أو ساء إليها حتى أعطته، و"الزوج": امرأة الرجل لأنها فى الفصيح بلا تاء، وأما الزوجة بالتاء فغير فصيح، لكنه وارد، والمراد بالزوج: الجنس بدليل الجمع فى أردتم لأن جماعة الرجال يشتركون فى امرأة وكذا الاثنان وبدليل جمعهن فى قوله: { إِحْدَاهُنَّ }. والقنطار: المال الكثير أو ألف أو مائة رطل من الذهب أو ثمانون ألفاً من الفضة، ومن الخلاف فى ذلك. والمراد التمثيل، لما فوق القنطار ولما تحته مع أن ما تحته مفهوم بالأولى، فإن المنع من الأخذ من القليل أشد. قال العلماء: دلت الآية على جواز المغالاة فى المهور، ورى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، أنه قام خطيباً على المنبر فقال: إلا لا تغالوا فى مهور نسائكم، فلو كانت مكرمة فى الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول صلى الله عليه وسلم ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثنتى عشرة أوقية، فقامت إليه امرأة، فقالت له: يا أمير المؤمنين لم تمنعنا حقا جعله الله لنا، والله يقول { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً }؟ فقال عمر: كل الناس أفقه منك يا عمر حتى النساء، ورجع عن ذلك. وروى أنه قال: امرأة أصابت وأمير رجل أخطأ، ثم قال لأصحابه: تسمعوننى أقول مثل هذا فلا تنكرونه على حتى ترد على امرأة ليست من أعلم النساء، ويجاب من جانب عمر رضى الله عنه بأن ذكر القنطار لا يوجب جوازه لأن جعل الشىء شرطاً لا بدل على جوازه كما قال الله جل وعلا
"لو كفر الخلق كلهم لم ينقص ذلك من ملكى شيئاً" فلا يفيد جوار الكفر، وقال الله سبحانه وتعالى: { { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } فلا يفيد جواز الآلهة، قال عمر رضى الله عنه: لا تغالوا فى صدقات النساء، فإنها لو كانت مكرمة فى الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم بها نبى الله صلى الله عليه وسلم، ما نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتى عشرة أوقية، وعن عائشة: كان صداقه لأزواجه اثنتى عشر أوقية ونشا، قالت: النش أوقية ولا قدر لأقله، وعن عمر: ثلاث قبضات من زبيب مهر، وعنه صلى الله عليه وسلم "من أعطى صداق امرأته ملء كفه سويقاً أو تمراً فقد استحل وتزوجت امرأة على نعلين" فأجازه صلى الله عليه وسلم، وقال "ملك أقله ثلاثة دراهم" وقال أبو حنيفة عشرة.
{ أَتَأْخُذُونَهُ }؟: أى أتأخذون الشىء من القنطار المصدق، الاستفهام للإنكار، أعنى أنه لنفى صحة الأخذ شرعاً وعقلا أو للتوبيخ.
{ بُهْتَاناً }: أى ظلماً أو باطلا، أصل البهتان: الكذب الذى بهت المكذوب عليه، أى يحير لعظمه مواجهة أو فى الغيبة، وقيل: مواجهة مع مكابرة، ثم استعمل فى مطلق الظلم أو الباطل المتحير منه، ويجوز إبقاؤه على أصله من الكذب المحير للمكذوب عليه، كما روى أنه كان الرجل إذا أراد أن يتزوج زوجة جديدة بهت التى عنده بالزنى، أو بما يستقبح لتفتدى منه بما أصدقها فيتزوج به الأخرى، فنهوا عن ذلك.
{ وَإِثْماً مُّبِيناً }: أى ذنباً ظاهراً، والنصب على الحال من واو "تأخذونه" مبالغة، كأنهم إذا أخذوا صاروا نفس البهتان والإثم المبين، أو يؤل أى: ذوى بهتان وإثم مبين، أو باهتين وآثمين إثماً مبيناً، أو على التعليل، أى لأجل البهتان والإثم المبين، أى أتتوصلون إليه حصول البهتان والإثم المبين الموصل لكم إلى أخذه.