التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً
٤٠
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ }: لا يزيد فيما يستحق من العقاب ولا ينقص مما يستحق من الثواب ولو ما يكون وزنه فى الثقل وزن نملة صغيرة، يزن حبة شعير مائة منها، أو وزن حبة خردل، أو جزء هباء. وعن ابن عباس: الذرة رأس نملة حمراء، فالمثقال مفعال من الثقل، ضد الخفة والذرة، ولو كان لا ثقل لها لكن ليس فى الحقيقة عند الله الذرة كعدمها، وإنما ثقلها لا يتحقق لنا، أو لما غلب المثقال فى المقدار تنويسى معنى الثقل، وعلى كل حال اختير لفظاً لمثقال المأخوذ من الثقل، إشارة إلى الحسنة أو السيئة، ولو ثقلت جزاؤها ثقيل، والظلم متعد لواحد محذوف، ومثقال مفعول مطلق، أى لا يظلم أحداً ظلم مثقال ذرة، أو ظلماً مثقال ذرة، أى ظلماً موازن ذرة - بضم الميم - أو متعد هنا لاثنين لتضمنه النقص أى لا ينقص عاصياً، ولا مطيعاً مثقال ذرة، ففيه زيادة تهديد للعاصى أو لتضمنه معنى الزيادة، أى لا يزيد عاصياً ولا مطيعاً مثقال ذرة، بمعنى لا يزيد حسنة أو سيئة أو ينقصها والمزيد إنما هو ثواب يضاعف كما قال:
{ وَإِنْ تَكُ }: تحصل.
{ حَسَنَةً }: لم تبطل.
{ يُضَاعِفْهَا }: بثواب عشرة فصاعداً إلى سبعمائة فصاعداً كما قال:
{ وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ }: من عنده.
{ أَجْراً عَظِيماً }: هو ما فوق سبعمائة، كل ذلك جزاء على الحسنة الواحدة لقوله: { أجراً } وقد يقال { يضاعفها } شامل لما فوق سبعمائة، والأجر العظيم محض، فضل جزيل لا ثوب للحسنة، لكن سماه أجراً للمشاكلة لعظم ذكره معناه، لأن يضاعف بالمعنى يؤجر، ولأنه زيادة على الأجر ومسبب عنه، وتابع. و{ تك } لا خبرية و{ حسنة } فاعله. عند ابن كثير ونافع وقرأ الباقون بنصب حسنة على أن له خبراً وهو حسنة واسمه ضمير مثقال، وأنث لتأنيث الخبر وهو حسنة أو لإضافته لمؤنث، وهو ذرة، لأنه تعروف أن يقتصر على على ذرة فى مثل ذلك فيقال: لم يعطه ذرة ولم يعطه حبة تراب ولا حبة فى التراب لكن تشبيه، وحذفت نون تكن تخفيفاً لكثرة الاستعمال، وتشبيهاً بالواو فى غنتها، والواو تحذف للجازم فحذف ما أشبهها وعلامة الجزم سكون النون المحذوفة، وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يضعّفها بتشديد العين، وإسقاط الألف، وقرأ بإسكان الضاد، وقرأ ابن هرمز تضاعفها بالنون. والمعنى واحد وليست المفاعلة فى قراءة الجمهور على بابها، و{ من لدنه } متعلق { بيؤت }، أو بمحذوف حال من { أجراً } أو من الابتداء. وقال قتادة عن نفسه ورواه عن بعض العلماء لأن تفضل حسناتى على سيئاتى بمثقال ذرة أحب إلى من الدنيا جميعاً. ذكره الثعالبى، وعن ابن مسعود وغيره: الأجر العظيم: الجنة وذكر بعض المتأولين أن الآية خص به المهاجرون، لأن الله تعالى أعلم فى كتابه أن الحسنة لكل مؤمن مضاعفة عشر مرات، وفى الآية مضاعفة مراراً كثيرة، كما قيل عن أبى هريرة: يضاعف ألفى ألف مرة، وروى غيره: ألف ألف مرة، وقيل: ذلك الوعد كله للمؤمنين، وهو مروى عن أبى هريرة. قال أبو عثمان النهرى لأبى هريرة: بلغنى عنك أنك تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يعطى غير المؤمن بالحسنة ألف حسنة. قال أبو هريرة: لا بل سمعته يقول:
"إن الله تعالى يعطيه ألفى ألف حسنة" ثم تلا هذه الآية. والمراد مع هذا الكثرة، لا التحديد، قيل: يضاعف ثوابها لا باستحقاقها عنده الثواب فى كل وقت من الأوقات المستقبلة غير المتناهية كلهم، وأما الكافر فل يفعل حسنة إلا جوزى بها فى الدنيا، حتى يوافى يوم القيامة ولا حسنة له وهو رواية عنه صلى الله عليه وسلم، وإذا حوسب المؤمن وبقى له مثقال ذرة ضاعفها الله تبارك وتعالى، إلى سبعمائة وإلى أجر عظيم والآية شاملة لأمر الخصمين، فمنهم من لا يجد ما يعطى خصمه، وقد تاب فى الدنيا، ولم يجد وفاء فيرضيه الله عنه، أو بعد أن بقى بلا حسنة لأخذ المظلومين حسناته، وعن ابن مسعود: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم ينادى مناد من قبل الله: إلا من كان يطلب مظلمة فليجىء إلى حقه فليأخذه فيفرح المرء أن يكون له الحق على ولده، أو والده أو زوجته أو أخيه، فيأخذ منه وإن كان صغيراً، ومصداق ذلك فى كتاب الله تعالى: { فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يؤمئذ ولا يتساءلون } ويؤتى بالعبد فينادى منادى على رؤوس الأولين والآخرين هذا فلان بن فلان من كان له عليه حق فليأت إلى حقه ثم يقال له آت هؤلاء حقوقهم، فيقول أى ربى من أين وقد ذهبت الدنيا؟ فيقول الله تعالى لملائكته: انظروا فى أعماله الصالحات، فأعطوهم منها، وفإن بقى له مثل ذرة من حسنة قالوا يا ربنا، وهو أعلم بذلك، أعطينا كل ذى حق حقه، وبقى له مثقال ذرة من حسنة، فيقول ضعفوها لعبدى، وأدخلوه بفضل رحمتى الجنة، ومصداق ذلك فى كتاب الله: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً }: أى فى الجنة وإن كان عبداً شقياً قالت الملائكة: إلهنا فنيت حسناته وبقى طالبه كثيرون، فيقول الله تعالى خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم اكتبوا له كتاباً إلى النار أى عاقبوه بسيئات قد أساء بها إليهم، ولكونه أساء إليهم بها أضيفت إليهم مع سيئاته التى بينه وبين الله لقوله تعالى: { ولا تزر وازرة وزر أخرى } فلا يظلم مثقال ذرة للخصم عل خصمه، بل يأخذها له ولا يظلم مثقال ذرة تبقى له بل يثيبه عليها ويضاعفها. قال عمرو بن العاص: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى فيخلص رجلا من أمتى على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل من البصر" ثم قال: "أتنكر من هذا شيئاً أظلمك كتبتى الحافظون؟ فيقول: لا يا رب فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، يقول تعالى: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول له: أحضر وزنك. فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، قال الله: جل وعلا فأنت لا تظلم فتوضع السجلات فى كفه والبطاقة فى كفه فطاش فى السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شىء" . قال أبو هريرة: إذا قال الله عز وجل أجراً عظيما فمن يقدر قدره. وعن ابن مسعود أنه قال: إن فى النساء آيات هن خير من الدنيا جميعاً، قوله { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّة وَإِن تَك حَسَنَة يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْه أَجْراً عَظِيماً } { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } الآية { إن الله لا يغفر أن يشرك به } الآية، ومر تأويلها، ويأتى أيضاً إن شاء الله { { ومن يعمل سوءاً أو يظلم.. } الآية { { والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا.. } الآية إذا كان الأمر كما فى الآية.