التفاسير

< >
عرض

يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً
٤٢
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِم الأَرْضُ }: يوم متعلق بيود، أى يود يوم إذ جئنا بالشهود، وكفروا: أشركوا، وعصوا الرسول: عَصَوا بما دون الشركِ من الكبائر والصَّغَائر، ففى هذا خطاب المشركين يقرع، والشريعة إذ عوقبوا عليها، كما عوقبوا على الشرك حتى أنهم تمنوا لذلك أن تسوى بهم الأرض، ويجوز أن يكون { الَّذِينَ كَفَرُواْ } بمعنى فاعلى كبائر الشرك وفاعلى كبائر النفاق، و{ وَعَصَوُاْ } بمعنى فعلوا الصغائر، و{ لو } مصدرية وليست للتمنى، لأن التمنى أفاده يود والمصدر مفعول يود، ولا حاجة إلى أن يقدر مفعول يود، وتجعل { لو } شرطية مقدرة الجواب، أى: يود الذين كفروا وعصوا الرسول تسوى الأرض، لو تسوى بهم الأرض لسووا، وعصوا: معطوف على كفروا، أو حال فالواو للحال، وتسوى: مضارع أصله تتسوى، أبدلت التاء الثانية سيناً، وأدغمت فى السين، وذلك قراءة نافع وابن عامر، وقرأ حمزة والكسائى: تسوى بلا تشديد للسين فهو إما ماض وإما مضارع حذفت إحدى تاءيه، وقرأ الباقون: نسوى بالبناء للمفعول وفتح السين مخففه ومعناه أن تجعل الأرض مستوية بهم بأن تنشق فتبلعهم، أو تحفر فيدفنوا فيها، والباء للملابسة أو السببية أو الاستعلاء، أو تبقى كما كانت بلا بعث لهم منها، أو لم يخلقوا فيستووا بالأرض إذ كانوا بعضها، وعلى قراءة غير الباقين يكون لأرض مستوية عليهم أو معهم. قال الكلبى: يقال للدواب والطير كونى تراباً فتكون تراباً كتراب الأرض مستوياً به، فيود الذين كفروا وعصوا أن يكونوا كذلك.
{ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً }: عطف على يود، أى: لا يقدرون أن يكتموا حديثاً عن الله يومئذ، أو حال من { الذين } أو من "هاء" بهم. روى أنهم إذا قالوا
{ والله ربنا ما كنا مشركين } ختم الله على أفواههم فتشهد عليهم جوارحهم، فيتمنون أن تسوى بهم الأرض، فالحديث حديث عصيانهم وشركهم على العموم، وهو رواية عن ابن عباس، وقال عطاء عنه: الحديث حديث أمر محمد صلى الله عليه سلم. قال الشيخ هود: ذكروا عن أبى موسى الأشعرى، قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين، فختم الله على أفواههم، فقال للجوارح انطقى فإن أول ما يتكلم من أحدهم فخذه. قال الحسن: نسيت اليمنى أم اليسرى؟ قال الحسن فى موطن لا يتكلمون ولا تسمع إلا همساً وطء الأقدام، وتارة يتكلمون ويكذبون. وقال: وأما كنا نعمل من سوء، وقالوا والله ربنا ما كنا مشركين، وفى موضع يقترفون على أنفسهم بالكفر، ويسألون الله أن يردهم إلى الدنيا فيؤمنوا، وآخر تلك الموطن أن يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وأرجلهم. انتهى كلام الشيخ هود، وهو دافع يتوهم من تناقض، ومن الاعتراف قوله تعالى: { فاعترفوا بذنوبهم } وفى موضع لا يتساءلون. كما قال رجل لابن عباس: تناقض على قوله تعالى { { ما كنا مشركين } وقوله تعالى { { ولا يكتمون الله حديثاً } فقال: انكروا الشرك فختم على أفواههم فنطقت به جوارهم.