التفاسير

< >
عرض

أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً
٥٤
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أم }: أى بل { يَحسِدُونَ النَّاسَ } أم للانتقال والانكار والتوبيخ.
قال الكلبى: { النَّاسَ }: رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمى الناس تعظيما له، لأنه اجتمع ما تفرق في الناس من خصال الخير، ولأنه كان أمة، أعنى منفردا بالاسلام فى أول أمره، ولأن الناس وغيرهم خلفوا لأجله.
لولاه لم تخرج الدنيا من العدم، ولأنه قدوة لأمته، وقد أخذ العهد على كل نبى وأمته أن يؤمن به، ويتبعه أن بعث فى زمانه.
وقال الحسن: { النَّاسَ }: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقيل العرب كلهم، لأنهم كرهوا خروج النبوة من بنى اسرائيل، وقيل: حسدوا الناس جميعا، لأن رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفع للناس، وكمال لهم، ورشد، ذم الله اليهود على البخل والحسد، وهم أشر آل ذائل، وهما متلازمان ما كان منهما ترتب عليه الآخر.
{ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ }: أى الرسالة والقرآن والنصر والاعزاز، أو جعل النبى الموعود به صلى الله عليه وسلم منهم، اذا فسرنا الناس، وضمير النصب بالعرب، والفضل فى الدين.
قال الكلبى: { الفضل }: التوسعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بنكاح تسع نسوة.
قالت اليهود لعنهم الله: انظروا الى هذا الذى لا يشبع من الطعام، ولا والله ماله هم إلا النساء، حسدوه لكثرة نسائه، وعابوه بذلك، فقالوا: لو كان نبيا ما رغب فى كثرة النساء.
وعن ابن عباس: { النَّاسَ } محمد صلى الله عليه وسلم، { ومَآ ءَاتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ }: النبوة.
وقال قتادة: { النَّاسَ } العرب،(وما آتاهم من فضله) هو محمد عليه الصلاة والسلام، ومن للتبعيض أو للابتداء، وقيل: للبيان، ولما رفع الله موسى نجيا، رأى رجلا متعلقا بالعرش فقال: يا رب من هذا؟ قال: هذا عبد من عبادى صالح ان شئت أخبرتك بعمله، قال: يا رب أخبرنى قال: كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله.
{ فَقَد آتَينَا آل إبرَاهِيم }: الذين هم أسلاف محمد صلى الله عليه وسلم، وأبناء عمه، فانه صلى الله عليه وسلم من ذرية اسماعيل عليه السلام، واسماعيل أخو اسحاق، فاسحاق عليه السلام عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذرية اسحاق بنو عمه.
{ الكِتَابَ }: جنس الكتاب فشمل التوراة والانجيل والزبور وغيرهما.
{ وَالحِكمَةَ }: النبوة.
{ وَآتَينَاهُم مُّلكًا عَظِيمًا }: فلا يبعد أن يؤتى الله الرحمن الرحيم محمدا والعرب، أو الناس مثل هؤلاء، وكيف حسدوه صلى الله عليه وسلم، أو حسدوا العرب، أو الناس، ولم يحسدوا ابراهيم؟
قال ابن عباس: الملك فى آل ابراهيم، ملك يوسف وداود وسليمان.
وقال مجاهد: الملك العظيم النبوة، لأن الملك لمن له الأمر والطاعة، والأنبياء لهم الملك والطاعة.
والجمهور: أن الملك غير النبوة كالمال والنساء، كان لداود مائة امرأة، ولسليمان ألف امرأة ثلاثمائة حرة، وسبعمائة سرية، ولم يكن لمحمد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسع نسوة.