التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً
٦٠
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزعُمُونَ أَنَهُم آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ }: الذين يزعمون أنهم آمنوا بالقرآن هم رجل من المنافقين اسمه بشر ومن معه منهم، وما قبله من كتب الله تعالى.
والطاغوت: كعب بن الأشرف، والتحاكم: أن يدعو كل واحد من الخصماء الآخر الى الحكم، سواء اتفقا على حاكم، أو دعا أحدهما الى حاكم والآخر الى حاكم آخر، كما هنا، فالرجل المنافق دعا الى الطاغوت الذى هو كعب، وخصمه وهو يهودى دعا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له، ولما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال: انطلق الى عمر، فأتيا عمر فقال اليهودى: اختصمت انا وهذا الى محمد، فقضى لى عليه فلم يرضى بقضائه، وزعم أنه مخاصمى اليك، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ قال: نعم، فقال لهما عمر: رويدا أخرج اليكما، فدخل عمر البيت وأخذ سيفا واشتمل عليه ثم خرج فضرب به المنافق حتى برد فقال: هكذا أقضى لمن لم يرضى بقضاء الله ورسوله فنزلت الآية: { أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزعُموُنَ } الى آخرها، ونزل:
{ { وما أرسلنا من رسول الا ليطاع } الى: { { تسليما } وقال جبريل: ان عمر فرق بين الحق والباطل، فسمى الفاروق، وهذا تفسير ابن عباس رضى الله عنهما.
وقال عامر الشعبى: نزلت الآية فى منافق اسمه بشر، خاصم رجلا من اليهود، فدعا اليهودى الى المسلمين لعلمه أنهم لا يرتشون، ودعاه المنافق الى اليهود لعلمه بأنهم يرتشون فاتفقا بعد ذلك أن يأتيا كاهنا كان بالمدينة فرضياه، فنزلت هذه الآية.
وعلى هذا فالطاغوت: الكاهن، وقيل: { الَّذِينَ يَزعُموُنَ أَنَهُم آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ } شمل المنافق وشبهه، ولهم قوله: { بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ } واليهود ومن معه، ولهم قوله: { وَمَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ } ومثل هذا ما رواه السدى: أن المنافق من اليهود، والمشهور أنه من الأنصار.
قال: ظهر الاسلام وخاصم مع يهودى، وأنه قتل رجل من بنى النضير رجلا من بنى قريظة، وكانت دية القرظى على النضيرى ستين وسقاً من تمر ولا يحد القتل، ودية النضيرى على القرظى مائة وسق، وان شاء الولى قتله ولم يأخذ الدية، والخزرج مع قريظة، والأوس مع النضيرى، وقالت الخزرج وقريظة: هذا في الجاهلية لقلتنا وكثرتكم، والآن جمعنا الاسلام معشر الأوس والخزرج، فقال المنافقون من الفريقين: ننطلق الى أبى بردة الكاهن الأسلمى، وقال المسلمون من الفريقين: بل ننطلق الى النبى صلى الله عليه وسلم، فأبى المنافقون وانطلقوا الى أبى بردة الكاهن ليحكم بينهم، فقال: أطعموا اللقمة، يعنى الخطر، قال: لكم عشرة أوسق، فقالوا: بل مائة وسق، فأبوا إلا عشرة فنزلت آية القصاص وهذه الآية.
وقرىء ببناء أنزل للفاعل فى الموضعين وسمى كعبا أو أبا بردة طاغوتا لكثرة طغيانه، أو هو اسم للشيطان استعير لأحدهما، أو هو الشيطان سمى التحاكم الى أحدهما تحاكما اليه، لأنه سبب أمركما قال:
{ وَقَد أُمِرُوا أَن يَكفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُضِلَّهُم ضَلالاً بَعِيداً }: وجملة قد أمروا حال من واو يريدون، وجملة يريد الشيطان معطوفة على جملة الحال، ولو اختلفتا بالمضى والمضارعة، لأن المعنى فيهما حال، وعلى أن الطاغوت الشيطان، فذكر الشيطان من وضع الظاهر موضع المضمر، ليلوح الى أن المتحاكم الى الشيطان يحترق بالنار في الآخرة، كما يحترق الشيطان بالشهب في الدنيا، وبنار الآخرة في الآخرة، أو يبعد عن الحق، ورضا الله، كما بعد الشيطان، فان الشيطان من معنى الاحتراق أو من معنى البعد.
وقرأ عباس بن الفضل: أن يكفروا بها عى أن الطاغوت للجماعة، كما يجىء مفرد قال الله تعالى:
{ أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات } }.