التفاسير

< >
عرض

فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
٦٥
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا فِى أَنفُسِهِم حَرَجًا مِّمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِمُوا تَسلِيمًا }: لا مؤكدة للقسم، لا نافية لما نفت لا بعدها خلافا لبعض، فقد اعتيد زيادتها قبل القسم لتأكيد القسم، كما يقال: لا والله قام زيد، والمراد تأكيد القسم، وأن زيدا قام لا محالة.
واختار الطبرى أنها نافية لما قبل، أى ليس الأمر كما زعموا أنهم آمنوا بما أنزل اليك وهم يخالفون حكمك، ومعنى يحكموك، يجعلوك حاكما أى يأتوك لتحكيم بينهم راضين بحكمك، وشجر: اختلف واختلط، وسمى الشجر شجرا لأن أغصانه تداخلت واختلفت، ولم يرض الله بتحكيمهم أياه صلى الله عليه وسلم، بل شرط أن ترضى قلوبهم بحكمه، ولا يضيق به بحيث ينسبونه للجور، ولا مؤاخذة على ما يصعب طبعا من الحق اذا عمل به المحكوم عليه، وعلم أنه الحق والحرج الضيق، أو هو الشك، أى لا يشكوا فى أن ما قضيت حق، ولكن الشك أيضا ضيق، فان الشاك فى ضيق، وما اسم موصول، أى مما قضيته، أو حرف مصدر أى من قضائك، ومن للتعليل أو سببية أو للآلة، أو ابتدائية، أى حرجا متولداً، ففى هذا تتعلق بصفة محذوفة كما رأيت، أو يجدوا، وفى سائر الأوجه يجوز ذلك، وتعليقه بحرجا، ومعنى التسليم انفاذ ما قضى عليهم به بعد اذعان قلوبهم له، والآية نزلت فى شأن المنافق واليهودى المذكورين عند الشعبى ومجاهد، ورجحه الطبرى لأنه أنسب بما قبله.
وقالت طائفة: نزلت فى حاطب والزبير،
"إذ تخاصما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شراج من الحرة التى يسقون بها النخل، فقال: اسق يا زبير ثم أرسل المال الى جارك فغضب حاطب، فقال: لأن كان ابن عمتك، أى حكمت بذلك، لأن كان ابن عمتك، أى لكونه ابن عمتك، فتغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع الى الجدر واستوف حقك ثم أرسله الى جارك" .
قلت: الحكم اما غرم واما صلح، فقدم الصلح لأجل أن يتألفا أمر الزبير به أمرا فرضيه، فلما لم يقبله حاطب مع أنه مصلحة له، لم يبق الا الحكم بالعزم، إذ لا يتركهما بلا حكم، فحكم بذلك الذى ذكره آخر الأجل، ذلك الذى قررت لا لغضبه، كذا ظهر لى.
والذى ذكره آخر هو أنه استوعب للزبير حقه، ثم مرا على رجل من اليهود ومعهم رجال من المسلمين، فقال: قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله، ثم يتهمونه فى قضاء يقضى بينهم، وأيم الله لقد أذنبنا مرة فى حياة موسى، فدعانا الى التوبة منه وقال: اقتلوا أنفسكم، ففعلنا، فبلغ قتلانا سبيعن ألفا فى طاعة ربنا، حتى رضى عنا، فقال ثابت بن قيس بن شماس: أما والله ان الله ليعلم منى الصدق، ولو أمرنى محمد أن أقتل نفسى لقتلتها، وروى أنه قال ذلك: ثابت وابن مسعود وعمار ابن ياسر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" والذى نفسى بيده ان أمتى رجالا الايمان فى قلوبهم أثبت من الجبال الدواسى " .
وروى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال: والله لو أمرنا ربنا لفعلنا، والحمد لله الذى لم يفعل بنا ذلك، فنزلت الآية فى شأن حاطب والزبير، ونزل فى اذعان عمر وثابت وابن مسعود وعمار قتل أنفسهم لو أمروا به قوله تعالى: { وَلَو أَنَّا كَتَبنَا }